للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجنوب، وتهبُّ من بنات نعش إلى مشرق الشمس، والدَّبُور: وتهبُّ ما بين المغرب وسهيل (١). وبين كلّ ريحين ريح تسمَّى النَّكْباء لتنكبها عن طريق الرياح المعروفة.

وقال الجوهري: والنُّكْبُ في الرياح أربع: فَنكْباء الضَبا والجنوب يسمَّى: الأرنب، ونكباء الصَّبا والشمال وتسمَّى: الصَّابية والنُّكَيباء، وإنما صغَّروها وهم يريدون تكبيرها لأنهم يستدبرونها جدًّا، ونَكْباء الشمال والدَّبُور وتسمَّى: الجربياء؛ ونكباء الجنوب والدَّبُور وتسمَّى: الهَيف (٢). وأصل النكب: العدول والميل.

ومنها: المياه والأنهار العظام كدجلة والفرات وجيحون وسيحون والأردن ونحو ذلك، وكل هذا يجري إلى القبلة. وكذا الجبال والبحار يستدلُّ بها على القبلة.

إذا ثبت هذا قلنا: متى عرف الإنسان هذه الأدلَّة كان مجتهدًا في أمر القبلة إذا خفيت عليه ولم يجد مخبرًا فيصلي إلى جهة يؤديه اجتهاده إليها، وإن خفيت عليه الأدلة لغيم أو ظلمة ونحوها، فإنَّه يتحرَّى ويصلي إلى أيِّ جهة يغلب على ظنّه أنَّها جهة القبلة، وصلاته تامّة عندنا، وعند الشافعي لا تجزئه إلَّا إصابة العين لقوله تعالى: ﴿فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة: ١٤٤] ولنا أنه أتى بما في وسعه، وهو التوجُّه إلى جهة القبلة، وتكليف ما ليس في الوسع حرفي عظيم، وقد اجتهد فصار كالحاكم إذا خفي عليه نصٌّ. وأمَّا الآية فالمراد بها إذا كان حاضرًا بمكَّة، أمَّا إذا كان غائبًا فقبلته جهة الاجتهاد والتحري، وقد ذكرنا مسائل استقبال القبلة في كتب الفقه.

فصل في حجّ إبراهيم وتعليم جبريل إيَّاه المناسك

روى مجاهد عن ابن عباس قال: لما تكامل بناء البيت أوحى الله إلى إبراهيم: أن أذّن في الناس بالحجّ، فقال: يا ربِّ، ومن يبلّغ صوتي؟ فقال الله: منك الأذان وعليَّ البلاغ. فقام على أبي قبيس فاستقبل اليمن ثمَّ المشرق ثم الشام ثم المغرب، ونادى: أيها النَّاس، إنَّ ربّكم قد بنى بيتًا فحجُّوه (٣).


(١) انظر "الأزمنة والأمكنة" ٢/ ١٣٧.
(٢) انظر "الصحاح" (نكب).
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١٧/ ١٤٤. وانظر "زاد المسير" ٥/ ٢٤٣.