قال: وقالت عائشة: ما زلتُ أرجو النّصر حتى خَفيتْ أصواتُ بني عدي.
ذكر دخولِ أمير المؤمنين البصرة
قال هشام: فأقام بظاهر البصرة ثلاثة أيام، وصلّى على القتلى من الفريقين، وجمع ما كان من الأسلاب في العَسكر، وبعث به إلى جامع البصرة وقال: مَن عَرف شيئًا أخذه، وأمر علي بدَفنِ مَوتاهم.
وقال سيف عن محمد وطلحة: دخل عليّ البصرة يوم الاثنين، فانتهى إلى المسجد، فصلى فيه، وأتاه الناس، ثم راح على عائشة على بَغلته، فلما انتهى إلى دار عبد الله بن خَلَف -وهي أعظم دارٍ بالبصرة- وجد النساء يَبكين على عبد الله وعثمان ابنَي خَلَف؛ قُتل أحدُهما مع علي، والآخر مع عائشة، وصفية بنت الحارث مُتَخمّرة تبكي، فلما رأته قالت: يا علي يا قاتلَ الأحبّة، يا مُفَرّقَ الجمع، أيتم الله بنيك منك كما أيتمتَ ولدَ عبد الله، فلم يردَّ عليها شيئًا، ولم يزل على حاله حتى دخل على عائشة، فسلّم عليها، وقعد عندها وقال: جَبَهَتْنا صفية، أما إني لم أَرَها منذ كانت جارية حتى اليوم.
فلما خرج من عند عائشة مرَّ عليها، فأعادت عليه ذلك الكلام، فكفَّ بغلتَه ثم قال: أما والله لقد هممتُ -وأشار إلى باب من أبواب الدار- أفتحُ هذا الباب، وأقتل مَن فيه، وكان أناسٌ جَرحى قد لَجؤوا إلى عائشة، وأُخبر علي بمكانهم عندها فتغافل عنهم، فسكتت صفيّة، فقال له رجل من الأزد: والله لا تغلبنا هذه المرأة، فغضب وقال: لا تَهتكنَّ سِترًا، ولا تَدخلنّ دارًا، ولا تَهيجنّ امرأة؛ وإن شتمنَ أعراضكم، وسَفَّهنَ أمراءكم وصُلحاءكم؛ فإنهن ضِعاف، ولقد كنا نُؤمَر بالكفِّ عنهن وهن مُشركات، فلا يبلغنِّي عن أحدٍ أنه تَعرَّض لامرأة، فأنكِّل به شرار الناس.
فلحقه رجل وقال: يا أمير المؤمنين، إن رجلين قد نالا -أو تناولا- مَن هو أَمسُّ بك من صفيّة، قال: لعلها عائشة، قال: نعم، قام أحدهما على باب الدار فقال:[من الرجز]