للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل في ذكر ولادته -

قالت آمنةُ: لما حَمَلْتُ به لم أجد له ثِقَلًا كما تجدُ النساء، إلا أني قد أنكرتُ رفْعَ حَيضي، وأتاني آتٍ في منامي وأنا بين النوم واليقظة، فقال: أشَعرْتِ أنك قد حَمَلتِ بسيِّد هذه الأمةِ ونَبِيِّها؟ وذلك في يوم الإثنين، فلما دنت ولادتي؛ أتاني ذلك الآتي فقال: إذا ولدتِه فقولي: أُعيذه بالواحدِ من شرِّ كلِّ حاسد، ثم قال: سمِّيهِ مُحَمَّدًا أو أحمَد (١).

وَوُلِدَ بمكة، في الدار التي كانت له بمكان يقال له: زُقاق المَوْلد، وهذهِ الدار كان وَهَبَها لعَقيلِ بن أبي طالب، فباعها ورثَتُه من محمَّد بن يوسف أخي الحجاج، فأدخلها في دارِه، ثم اشترت الخيزُرانُ جاريةُ المهدِيِّ الدارَ، وأخرجت منها ذلك البيتَ الذي وُلد فيه رسول الله في فجعلته مسجدًا (٢).

ولد يوم الاثنين في ربيعِ الأوَّل لاثْنتي عشرةَ ليلةً خلتْ منه، عامَ الفِيل بعد قدومِه بخمسٍ وخمسينَ ليلةً في اليوم الثاني والعشرين من نَيسان سنة اثنتين وثَمانِ مِئةٍ من تاريخ الإسكندرِ الروميّ في أيام كِسرى أَنُوشِروانَ لِأَربعينَ سنةً خلتْ من مُلْكِه. قال: واتَّفَق أهلُ السِّيَر على أنَّ مِن هُبوطِ آدم إلى عام الفيل ستةَ آلافِ سنةٍ وثلاثًا وتسعينَ سنة.

واختلفوا في زمان حَمْله على أقوال: أحدها: تسعةُ أشْهُر، والثاني: عشرٌ، والثالث: ستةٌ، والرابع: سبعةٌ، والخامس: ثمانيةٌ.

قالت آمنة: لقد عَلِقْت به فما وَجَدْتُ له مشَقَّة، ولما فُصل عني؛ خرج مني نورٌ أضاء له ما بين المَشْرق والمَغْرب، ووَقَع إلى الأرض ساجِدًا معتمدًا بيديه على


(١) ابن سعد في "الطبقات" ١/ ٧٨، وانظر "السيرة" ١/ ١٤٥ - ١٤٦.
(٢) "المنتظم" ٢/ ٢٤٧، و"نهاية الأرب" ١٦/ ٦٧.