للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صُلِّيت الجمعة يومَ النَّفر الأول بمنى، ولم يكن رجع الناس بعْدُ من منى، قام رجلٌ ممن ورد من ناحية مصر بيده سيفٌ مسلولٌ، وبالأخرى دبُّوسٌ، بعد ما قضى الإمامُ الصلاةَ، فقصدَ الحجرَ الأسودَ ليستَلِمَه على الرسم، فضربَ وجهَ الحجر ثلاثَ ضرباتٍ متوالياتٍ بالدبُّوس، وقال: إلى متى يُعبَدُ الحجر [الأسود]، ولا محمدٌ ولا عليٌّ يقْدِران على منعي عمَّا أفعله (١)، فإنّي أهدم هذا البيتَ وأرفعُه، فاتَّقاه الحاضرون وتراجعوا عنه، وكاد يفلت، وكان رجلًا تامَّ القامة، أحمرَ اللون، أشقرَ الشعر، سمينًا، وكان على باب المسجد عشرةٌ من الفرسان على أن ينصروه، فاحتسَبَ رجلٌ من أهل اليمن أو من أهل مكة أو غيرها، فوجأه بخنجر، واحتوشه الناس، فقتلوه وقطَّعوه وأحرقوه بالنار، وقُتِلَ من اتُّهم بمصاحبته ومعاونته على ذلك جماعةٌ [وأُحرقوا بالنار]، وثارتِ الفتنةُ، فكان الظاهر من القتلى أكثرَ من عشرين غير ما أُخفي منهم، وتقشَّر [بعضُ] وجهِ الحجر في وسَطِه من تلك الضربات وتخَشَّن، وزعم بعضُ الحاجِّ أنه سقط منه ثلاثُ قِطَع، واحدةٌ فوق الأخرى، فكأنه ثُقِبَ ثلاثةَ ثقوب، وتساقطت منه شظايا مثلُ الأظفار، وموضع المكسر أسمرُ (٢) يضرب إلى صفرة مُحبَّبًا مثل الخشخاش، فجمع بنو شيبة ما تفرَّق منه وعَجنوه بالمِسْكِ واللَّك (٣)، وحشَوا تلك المواضع وطلَوها بطلاء من ذلك، فهو بيّنٌ لمن تأمَّله، وهو على حاله اليوم.

وفيها تُوفِّي

دُجى الخادمُ

غلامُ الطائع، وكنيتُه أبو الحسن، وكان خصيصًا به، يَسْفِرُ بينه وبين الملوك، وعاش طويلًا، وتُوفِّي ببغداد في ربيع الآخر، وكان سماعُه صحيحًا (٤).


(١) في الكامل ٩/ ٣٣٢ والخبر فيه باختصار: إلى متى يعبد الحجرُ الأسودُ ومحمدٌ وعليٌّ؟ فليمنعني مانع من هذا.
(٢) المثبت من (م) و (م ١)، وفي (خ) و (ف): اسم، وفي المنتظم: أحمر.
(٣) في (م) و (م ١): اللَّت، واللكُّ: صِبغٌ أحمر تفرزه بعض الحشرات على بعض الأشجار في جزر الهند الشرقية، يُذاب في الكحول فيكون منه دهان للخشب، المعجم الوسيط (لكك).
(٤) الترجمة في تاريخ بغداد ٨/ ٣٩٢، والمنتظم ١٥/ ١٥٥.