للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سليمان بنُ هشام

ابن عبد الملك بن مروان، قد ذكرنا مبايَنَتَه لمروان، فلما قُتل مروان بعث إلى أم سلمة بنت يعقوت المخزومية زوجةِ السفاح -وكانت قبله عند مَسْلَمة بن هشام بن أخي سليمان، وطلَّقها- وسألها أن تكلِّم السفاح فيه، فكلَّمته وقالت: ما زال مباينًا لمروان، والتجأ إلى الخوارج وقاتَلَه، ومضى إلى الهند، وقد قدم العراق، وأُريد أن تكتب له أمانًا، فأَمر بأن لا يُتعرَّض له، فكان يحضر مجلسَ السفَّاح ويُدْنيه، وكتب [أبو مسلم إلى] (١) السفاح يقول: بقي من الشجرة الملعونة فرعٌ، فإن أهملتَه بسَقَ، وإذا كان عدوُّك ووليُّك عندك سواء، فمتى يرجو المطيعُ خيرَكَ، ويخاف عدوُّك المخائف عنك، وأشار بقتله فلم يقتله، فدسَّ أبو مسلم إلى سُدَيف مالًا، وقال: قل شعرًا، فدخل سُدَيف يومًا على السفَّاح، فرأى سليمان عنده، فقال: [من الخفيف]

يا ابنَ عم الرسول أنتَ ضياءٌ … استبنَّا بك اليقينَ الجليّا

لا يغرنك ما ترى من رجالٍ … إن تحت الضُّلوع في داءً دويّا

فضَعِ السيفَ في ذوي الغدر حتَّى … لا ترى فوقَ ظهرِها أمويّا

قطَنَ البُغضُ في المُشاش فأضحى … ثاويًا في قلوبهم مطويّا

فقال سليمان: قتلتَني قتلكَ الله، ثم قام، فقال: يا أبا العباس، إنَّ هذا يستحثك (٢) علي، وإنك تريد اغتيالي، فقال السفاح: يا جاهل، ومَنْ يمنعُني منك؟ فقال: أمانُك، فقال لعبد الجبار صاحب شرطته: اضربْ عنقَه، فضربَ عنقَه وعنقَ ولديه، وصلَبَهم.

ويُروى أن سُديف أنشده بيتين آخرين لما لم يقتل سليمان، فقال: [من الوافر]

علامَ وفيم تُتْرَكُ عبدُ شمس … لها في كل ناحية ثُغاءُ

فما بالرَّمْس من حرَّان فيها … وإن قُتلت بأجمعها وفاءُ

فسكتَ السفَّاح، فقال: إنَّ سليمان لو لم يقم، ويفحش في كلامه، ولم يخاطب السفاح بإمرة المؤمنين، لما قُتل (٣).


(١) ما بين حاصرتين من (د).
(٢) في (خ): يستحدك، وفي أنساب الأشراف: يشحذك، والمثبت من (د).
(٣) أنساب الأشراف ٣/ ١٨٢ - ١٨٣، وانظر الأغاني ٤/ ٣٤٣ وما بعدها.