للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر مقتل أرياط]

كان أَبرهةُ بن الصَّباح في جُند أرياط، فطمع في المُلك، ومالت إليه طائفةٌ من الحبشة، وعلم أرياط فانحاز بمن معه، وانحاز أبرهة بمن استمال، والتقوا، فقال أبرهة لأرياط: لا فائدة في فناء الناس، ابرز إلي وأبرز إليك، فأيّنا قتل صاحبَه كان أولى بالمُلك، فتبارزا، وخرج خلف أبرهة عَتْوَدَة وزيرُه (١)، وكان بيد أرياط حربة، فضرب بها أبرهة، فوقعت على جبينه، فشرمَتْ عينه وأنفه وشفته، فسُمّي الأَشرم، وكان قصيرًا دميمًا، وأرياط طويلًا جسيمًا، واشتغل أبرهة بنفسه، وحمل عَتْوَدَة على أرياط فقتله، واجتمعت الحبشة على أبرهة، وبلغ النجاشي فغضب، وحلف لابدَّ أن يَجُزَّ ناصية أبرهة، ويطأَ البلاد، وقال: تَعدَّى على أميري وقتله، وكان أبرهة حازمًا، فحلق رأسه، وملأ جرابًا من الأرض (٢)، وكتب إلى النجاشي: أيها الملك، إنما كان أرياط عبدًا من عبيدك، ولم يكن له خِبرةٌ بسياسة المُلك، وأنا أَخبرُ منه بذلك، وقد بعثتُ إليك بناصيتي، وبجراب فيه تراب من أرض اليمن لتضعَه تحت قدميك، وتبرَّ في يمينك. فرضي النجاشيّ عنه، وأعجبه فهمُه، وأقرَّه على أرض اليمن.

وأبرهة الذي قصد البيت الحرام، فأهلكه الله .

[ذكر عودة اليمن إلى العرب]

كان سيفُ بن ذي يَزَن من أشراف ملوك حِمْير، مُعتزلًا في طرف من أطراف اليمن، فلما طال البلاءُ على حِمْير، ولقوا من السودان ما لقوا من الفسق، والفَتْك، والظلم، وغَصْب النساءِ على نفوسهن، خرج إلى قيصر مُستَصرخًا به، وشكا إليه، وسأله أن يَبعث عليهم نائبًا من عنده، فمَطَله، وأقام عنده سبع سنين، فكان آخر كلامه أنه قال: أنتم يهودٌ، والحَبشةُ نصارى، وليس من الدّيانة نُصرةُ المخالِف على المُوافق. ففارقه وأتى الحِيرة، فنزل على النُّعمان بن المُنذر عاملِ كسرى أنوشروان، وكان للنعمان كل عام وفادة على كسرى، فقال له: أقم عندي حتى تَسيرَ معي إليه، فأقام عنده، فقدم النعمان على كسرى فقضى حوائجه، وذكر له قصَّة سيف، وما قَدِم له، وسأله أن يَدخل


(١) في السيرة ١/ ٤٢، واليعقوبي ١/ ٢٠٠، والطبري ٢/ ١٢٩ أنه غلام أبرهة.
(٢) في السيرة: وملأ جرابًا من تراب اليمن.