فيها جَرَتْ بين الخليفة وجلال الدولة مراسلات ومعاملات ومعاتبات بسبب الجوالي. قال هلال: افتتحت الجوالي في أول المحرم، فمنع الملكُ أصحابَ الخليفة منها، وأخذ ما استخرجوه، وأقام من يتولَّى جبايتها، فعزَّ على الخليفة وراسله، فلم يلتفت، فأظهر الخليفةُ العزمَ على مفارقة البلد، وتقدَّم بإصلاح الطيَّار والزبازب، وأمر القُضاة والأشراف والأعيان بالخروج صُحبَتَه، وراسل الملكَ بأقضى القضاة الماوردي، فكان جوابه: نحن نائبون عن الخلافة نيابة لا تنتظم إلا بقوة اليد (١) وزيادة الهيبة، وقد توالى من الخدم ما أظهر الوهن، وذلك في إلجائهم كلَّ صائر إلى الحريم، وذكروا من ذلك زَوجَةَ أبي الخطاب، وقال: قد احتجزَتْ من أموالنا ما هو مشهور، وما نقدر أن نطالبها به، وهي في حريم الخلافة، ومعلوم أنَّ أقلَّ ما أخذ زوجُها من خزائننا وقلاعنا في دفعة واحدة تسعُ مئة بدرة، قاسَمَ عنبرَ الخادم عليها، إلى غير ذلك، وأمَّا الجوالي فنحن معذورون فيها للضرورة، ولقد كان في عزم الغلمان أخذُها، ولو أخذوها لخرجت عن الإقطاع، وتعدَّى الطَّمَعُ إلى غيرها، فحسَمْنا بهذا الفعل موادَّهم، ونحن على كل الأحوال في الخدمة والطاعة، فكان جواب الخليفة أنه ذكر آيات الوفاء والعهود، ثم قال: وقد عُلِمَ أنَّ قواعد النيابة والتفويض إلى بني بُوَيه إنما كانت مستقرة على الأيمان والوفاء بالعهود، ولا يمكن المقامُ على قصور الموادِّ، فإن أمكن وإلا انتقلنا إلى بعض الموادِّ. فقال الملك في الجواب: أمَّا الجوالي فقد أجَبْنا عنها، وأمَّا إجارة مَن التجأ إلى الحريم فنسأل أن تكون الأمورُ فيها على ما كانت أيام سلطان الدولة. فأجاب الخليفةُ: أمَّا ما التمس من الرجوع إلى أيام سلطان الدولة فالرضا واقع بما كانت الحال جارية عليه، فإن سلطان الدولة كان يخدم في الأيام القادرية كل سنةٍ بثمان مئة ألف درهم، وعشرة آلاف دينار، ومئتي منًا عود، وخمسين منًا كافور، وخمس مئة قطعة من أصناف الثياب الفاخرة، ومن الطيب ما قد نسي مبلَغه، وإذا أَعوَزَ مثلُ هذا فلا أقلَّ من أن لا تُزاحَم في أوساخ أهل الذمة، ولم يُفرِجْ عن الجوالي.