للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السنة الحادية والأربعون بعد المئة]

فيها كمل بناء المصيصة على يدي جبريل بن يحيى البجليّ الجرجانيّ (١)، وكان سخيًّا شجاعًا صاحبَ همَّة، أقام عليها سنتين حتى أدارَ سورها، وأسكنها المسلمين، وكانت مدينةً قديمةً من بناء الروم.

وفيها خرجت الراوندية على أبي جعفر، وهم قومٌ من أهل خراسان كانوا على رأي أبي مسلم، إلا أنهم يقولون بتناسخ الأرواح، ويدَّعون أنَّ روح آدم انتقلت إلى عثمان بن نهيك (٢)، وأنَّه ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم. وقيل: إنَّ في اعتقادهم أنَّ الإمامَ هو ربهم، واعتقدوا في أبي جعفر ذلك، وأن الهيثم بن معاوية هو جبريل.

ويقال لهم: السبعيَّة؛ يقولون: الأرض سبع، والسماوات سبع، والإمام سبع، والأنهر سبع، فعدوا العباس، ثمَّ ابنه عبد الله، ثمَّ ابنه علي، ثُمَّ ابنه محمَّد، ثمَّ ابنه إبراهيم الإِمام، ثمَّ أبو العباس، ثمَّ أبو جعفر، وقالوا: أنت إلهنا، وطافوا حول قصره، وكانوا ست مئة، وكان ذلك بالكوفة في الهاشميَّة، ولمَّا سمعهم المنصور قال: يدخلُهم الله النَّار في طاعتنا، ولا يدخلهم الجنة في معصيتنا، واطلع عليهم فقالوا: أنت ربُّنا، فحبس منهم ثمانين (٣) رجلًا، وقال: ارجعوا عن هذه المقالة، فغضبَ الباقون، ودخلوا السجن فأخرجوهم، وقصدُوا قصرَ أبي جعفر يريدونه، فخرجَ بنفسه ماشيًا، وصاح في الناس، وغُلقت أبواب المدينة، ولم يكن عنده في القصر دابَّة -فمن ذلك اليوم رُبط فرس النوبة، واستمرَّت الخلفاء -وجيء بدابةٍ فركبها، وكان معن بن زائدة مختفيًا عند أبي الخصيب حاجب أبي جعفر ليأخذ له أمانًا بسبب قتاله مع ابن هبيرة، وكان أبو العباس قد أمنه، فلما ولي أبو جعفر طلبه فاختفى، فلمَّا وقعت هذه الحادثة خرج متلثمًا قد جعل ذيل قبائه في منطقته، وجاء فأدخلَ يده في لجام دابة أبي جعفر، وأبلى بلاءً حسنًا، وقاتل قتالا شديدًا، حتى أباد الراوندية عن آخرهم، فقال له


(١) في تاريخ الطبري ٧/ ٥٠٩، والمنتظم ٨/ ٣١: الخراساني.
(٢) في (ب) و (خ) و (د): نفيل، والمثبت من تاريخ الطبري ٧/ ٥٠٥، والمنتظم ٨/ ٢٩، والكامل ٥/ ٥٠٢.
(٣) كذا في (ب) و (خ) و (د). وفي المصادر أنه حبس مئتين.