للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأَخرجني إلى الصَّحراء، فإذا بالعبَّاس بنِ الأخنَف مُلْقًى على فراشه وهو يجودُ بنفسه ويقول: [من المديد]

يا بعيدَ الدارِ (١) عن وَطَنِهْ … مُفرَدًا يبكي على شَجَنهْ

كلَّما جدَّ النَّحيبُ بهِ … زات الأَسقام في بَدَنِهْ

ثم أُغمي عليه وانتبه بصوت طائرٍ يغرِّد على شجرة، فقال:

ولقد زاد الفؤاد جَوًى … طائرٌ يبكي على فَنَنهْ

شاقَه ما شاقني فبكى … كلُّنا يبكي على سَكَنهْ

ثم أُغمي عليه، فظننتُها مثلَ الأولى، فحرَّكته فإذا هو ميِّت.

وقال هاشمُ (٢) بن عبدِ الله الخزاعي: كنَّا بالرقَّة مع هارون، فكتب إليه صاحبُ الخبرِ بموت الكسائيِّ وإبراهيمَ الموصليِّ والعباسِ بن الأحنفِ في يومٍ واحد، فقال لابنه المأمون: اُخرج فصلِّ عليهم. فخرج في وجوه أهلِه وخاصَّته وقوَّاده وقد صفُّوا له، فقالوا للمأمون: مَن ترى أن نقدِّم؟ قال: الذي يقول:

يا بعيدَ الدارِ عن وطنهْ … مُفرَدًا يبكي على شَجَنهْ

وأَشار إلى العبَّاس، فقدَّموه، فصلَّى عليه.

قلت: وهذا خَلَل؛ لاجتماع أَربابِ السِّير على أنَّ الكسائيَّ ومحمَّدَ بن الحسن ماتا بالرَّيِّ في هذه السَّنة، والعباس مات بالبصرة في قولِ الخطيب، ثم كان الكسائيُّ إمامًا وفيه من كلِّ فن، وكان يعلِّم المأمونَ والأمين، فكيف يقدَّم عليه شاعر؟! واللهُ أعلم.

عليُّ بن حَمزةَ

ابنِ عبد اللهِ بن بَهْمَن بنِ فَيروز، مولى بني أسد، أبو الحسن، المعروفُ بالكِسائي (٣)؛ لأنه أَحرم بكِساء. وقيل: إنَّه دخل مسجدَ السَّبيعِ بالكوفة وهو ملتف بكساء، فسمِّي من


(١) في (خ): الديار، والمثبت من تاريخ بغداد ١٤/ ١٣، والمنتظم ٩/ ٢٠٧، والوفيات ٣/ ٢٦.
(٢) في (خ): هشام، وهو خطأ، والمثبت من وفيات الأعيان ٣/ ٢٥، والوافي ١٦/ ٦٣٩.
(٣) تاريخ بغداد ١٣/ ٣٤٥، والمنتظم ٩/ ١٦٨، وتاريخ الإسلام ٤/ ٩٢٧، والسير ٩/ ١٣١ وفيه مصادر أخرى.