للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و] (١) كان في بداية أمره ورَّاقًا فقيرًا في بعض المدارس، فسار إلى بغداد، وتقلَّب به الزَّمان، واتَّصل بالخليفة، وصار سفيرًا بينه وبين الملوك، واستشهد هو وولد بهَمَذَان في شعبان، وكانت له [اليد] (١) الباسطة في النَّثر والنَّظْم، [حديد الخاطر، سريع الفهم، سافر إلى خراسان فمرَّ] (١) بقرية، فاختفى منه رئيسُها، فكتب بديهًا: [من الطويل]

أقولُ لركبٍ عائدين إلى الحِمى … إذا ما أَنَخْتُمْ في جِوار قِبَابِنا

فأَهْدُوا لِفتْيان النَّدِيّ سلامَنَا … وقُصُّوا عليهم حالَنا في ذهابنا

لنا جارةٌ قالتْ لنا كيف حالكم … وقد ساءها مَسُّ الضَّنى في جنابنا

رأتْ حولنا غَرْثى (٢) يرومُون عندها … فضالةَ زادٍ من بقايا جِرابنا

فقلتُ لها أما الجوابُ فإنَّنا … أناسٌ غَلِطْنا مَرَّة في حِسابنا

فَعُدْنا وقُلْنا عَلَّ ثَمَّ ضرورةً … ولُمْنا وأمسكنا عِنانَ عِتابنا

شَفَيْنا قلوبًا ضَلَّةً عند ظَنِّنا … بكلِّ تَداوَيْنا فلم يَشْفِ ما بنا

وقال: [من الوافر]

أوَدِّعكم وأُودعِكم جَنَاني … وأَنْثُرُ دَمْعتي نَثْرَ الجُمانِ

وإنِّي لا أُريدُ لكمْ فِراقًا … ولكنْ هكذا حُكْمُ الزَّمانِ

السَّنة التاسعة عشر وخمس مئة

فيها جَسَّرَ دُبَيْس بن صدقة طغريل بن محمد بن مَلِك شاه على قَصدِ بغداد، وأن يَطْلُبَ السَّلْطنة، فَسَارَ، واستعدَّ له الخليفة، وأمر بفتح بابٍ من داره في المَيْدان مقابل الحلبة، وسمَّاه باب النَّصر - وهو باقٍ إلى هلم جرا - وجَعَلَ عليه أبوابًا من الحديد، وبَرَزَ يوم الجمعة خامس صفر، وخرَجَ سُحْرةَ يوم الاثنين ثامنه من باب النَّصر، وعليه أُبهةُ الخلافة، وبين يديه وزيره ابنُ صدقة والنَّقيبان، والقُضاة وأربابُ الدَّوْلة والخدمُ مُشَاةً إلى باب الحلبة، ثم ركبوا إلى الشَّمَّاسية، فلما عاينوا السُّرادِق ترجَّلُوا، وهو في


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) غرثى جمع، مفردها غرث وغرثان، والأنثى: غرثلا وغرثانة، من غَرِث، اشتد عليه الجوع. "اللسان" (غرث).