للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبهةٍ عظيمة، والشمسة على رأسه، والأعلام والكوسات والمهد بين يديه، والأمراء كلهم مشاة، فنزل السُّرادِق، ورحل في تاسع صفر، فنزل الخالص، ونزل طغريل ودُبَيْس الزادان، ولما علما بخروجِ الخليفة عدلا عن طريق خُرَاسان، ونزلا رباط جَلُولاء، ونزل الخليفة الدَّسْكَرَة، وتوجَّه طغريل ودُبَيْس إلى الهارونية ليكبسا بغداد ليلًا، ويقطعا جسر النّهروان، فَعَبَر دُبَيْس دَيَالى على أن يتبعه طغريل، فَمَرِضَ طغريل في تلك الليلة، وتوالى مجيء المَطَر، والخليفة لا يعلم ما دبَّراه، وقَصَدَ دُبَيْس مشرعةً هناك في مئتي فارس جريدة، فَنَزَل عندها وقد تعب، وجاء المطر عليهم طول الليل، وليس معهم خيمة، ولا زاد، ولا عليق، ووصلت جِمالُ الخليفة من بغداد وعليها الزَّادُ والثِّياب، فأخذها دُبَيْس، ففرَّقها في عسكره، فاكتسوا وشبعوا، وبلغ الخبر إلى بغداد بمجيء دُبَيْس، فانزعج النَّاس، وباتوا تحت السِّلاح، ولازم النِّساءُ والصبيان والمشايخ المساجد يدعون ويتضرَّعون، ووصل الخبر إلى الخليفة بأنَّ دُبَيْسًا قد دَخَلَ بغداد، فرحل منحدرًا إلى النهروان، فلم يشعر دُبَيْس إلَّا براياتِ الخليفة قد طلعت، فلما رآها بُهِتَ وقَبَّل الأرض في مكانه، وقال: أنا العبد المطرود ما إن يعفى عن المذنب. فلم يجبه أحد، فأعاد القول، فَرَقَّ له الخليفة وهَمَّ بالعفو عنه ومصالحته، فصرفه وزيره ابنُ صدقة عن ذلك، وكان بينهما النهر، ولما علم دبيس أن السُّخْط بحاله عاد إلى طغريل، وقال: المصلحة نقصد السلطان سنجر نستجير به؛ أنت من أخيك محمود، وأنا من الخليفة. فساروا، وأما الخليفة فإنه عاد إلى بغداد، فكانت غيبته عنها خمسةً وعشرين يومًا، ووصل طغريل إلى سنجر، فأجارهما، فلبَّس عليه. وقال: قد طَرَدَنا الخليفة، وقال: هذه البلادُ بلادي. فقبض سنجر على دُبَيْس، وحَبَسه في قلعة ليتقرَّب به إلى الخليفة. وخرج يرنقش الزَّكوي في رجب إلى محمود، وكثَّر على الخليفة، وقال: قد طمع في المُلْك، وخَرَجَ من داره مَرَّتين، وكَسَرَ مَنْ قصده، وإن لم تَدَّبَّرِ الأمرَ في حَسْمِ ذلك، وإلا اتَّسع الخَرْق، والذي يحمله على ذلك وزيره ابنُ صدقة؛ قد كاتَبَ العربَ، وأمراء الأطراف والأكراد. فبقي في نفس محمود من ذلك ما دعاه إلى دخول بغداد (١).


(١) انظر "المنتظم": ٩/ ٢٥٢ - ٢٥٤، و"الكامل": ١٠/ ٦٢٦ - ٦٢٨.