للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذين يَلونهم، ثم يَفشو الكذبُ، حتى إن الرجل ليَبتدئ بالشهادة قبل أن يُسألها، فمَن أراد بَحْبَحَة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطانَ مع الواحد، وهو من الاثنين أبعده لا يَخلُونَّ أحدُكم بامرأةٍ، فإن الشيطان ثالثُهما، ومَن سَرَّته حسنتُه وساءته سيئته فهو مؤمن" (١). هذا لفظُ المسند، وأما الخطبةُ فقد رواها ابن إسحاق والواقدي وهشام، وهي خطبةٌ طويلةٌ كثيرة الروايات، منها أنَّه قال بعد حمدِ اللَّه والثناء على رسولهِ: أيُّها النَّاسُ (٢)، أَصلحوا سرائركم تَصلح علانيتُكم، واعملوا لآخرتكم تُكفَوْا أمرَ دُنياكم، واعلموا أن رجلًا ليس بينه وبين آدم أبي لمعرِق في الموتى، سمعتُ حبيبي -وبكى وقال- رسول اللَّه يقول. . . وذكر هذا الحديث (٣). وقال الواقدي: وجاءه أهلُ الجابية فصالحوه على الجزية.

حديث راهب دير العَدَس

روى زيدُ بن أسلم عن أَبيه قال: لما نزل الجابيةَ عمرُ، أتاه راهبُ دير العَدَس بكتابٍ فقال: أوفِ بشرطي، فلما رآه عجِب ووفى له، فقيل لعمر: ما هو؟ فقال: خرجتُ في الجاهلية إلى الشام، فدخلتُ دمشق ومعي تجارةٌ، فبينما أنا أمشي في بعض أسواقها إذا ببِطريقٍ قد قبض على يدي، وجاء بي إلى كنيسةٍ فيها تُراب كثير فقال: أخرجه، وجاءني بمِجرْفةٍ وزِنْبيل، قال: فوقفتُ مُتحيرًا في أمري لا أدري ما أصنع؟ وجاءني وقت الهاجرة فقال: ما أراك صنعتَ شيئًا، ولطمني في رأسي لطمةً هائلةً، فضربته بالمجرفة في رأسه فنثرتُ دماغَه، وحفرت له في التُّراب ودفنتُه، وخرجت من البلد لا أدري أين أذهب؟

فمشيتُ يومي وليلتي، فانتهيتُ إلى ديرٍ، فجلستُ تحت حائطه، وإذا بهذا الشيخ الراهب قد خرج من الباب، فصوَّب النَّظر فيَّ وقال: أرى عينك عينَ خائفٍ، ادخل. فدخلتُ فقدَّم إليَّ طعامًا، فأكلتُ، وهو يُصوِّبُ النظر ويُصعِّدهُ فيَّ، فقلت: مالك؟ فقال: أعلم أنه لم يَبق على وجه الأرض أعلمُ مني بالكتب السالفة، وإني أجد هذه


(١) مسند أحمد (١١٤).
(٢) من قوله: هذا لفظ المسند. . . إلى هنا ليس في (أ) و (خ).
(٣) من قوله: سمعت حبيبي. . . إلى هنا ليس في (أ) و (خ)، وإنما جاء بدله فيهما: وهي طويلة.