وقال مقاتل: هذا مَثَلٌ ضربه الله فكأنَّه يقول: كما قدرتُ أن أبعث هذه الأطيار من هذه الأجبل الأربعة، فكذا أبعت الناس يوم القيامة من أرباع الأرض ونواحيها، وهي الجنوب والشمال والدَّبُور والصَّبا.
فإن قيل: فلمَ خصَّ أربعة أطيار؟ قلنا: لأجل الاستقصَّات الأربع التي بها قوامُ العالم.
والجبال من جبال الشام، وقيل: على جبل لُبنَان، وسَيير، وجبل القُدس، وطُور سَيناء.
وقال أبو إسحاق الثعلبي: سمعت أبا القاسم ابن حبيب يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبا الحسن الأقطع وكان حكيمًا يقول: صحَّ عن النبيِّ ﷺ أنَّه قال: "لكل آيةٍ ظهرٌ وبطنٌ، ولكلِ حرفي حدٌّ ومَطلعٌ". وظاهر الآية ما ذكره أهل التفسير، وباطنها أنَّ إبراهيم أُمِرَ بذبح أربعة أشياء في نفسه بسكين الإياس، كما ذبح الأَطيارَ الأَربعةَ بسكين الحديد، فالنسر مَثلٌ لطول العمر والأمل، والطَّاووس زينةُ الدنيا وبهجتُها، والغراب الحرص، والدِّيك الشهوة.
قلت: الخليل ﵇ منزَّهٌ عن مثل هذا، لأنَّ الله تعالى عصمه من كل ما ذُكِرَ
من الأمثال، فتحصيل الحاصل محال.
[فصل في ابتلائه بالكلمات]
قال الله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾ [البقرة: ١٢٤] الآية. والابتلاء: هو الامتحان والاختبار.
واختلفوا في الكلمات: قال ابن عباس: هي خمسٌ في الرَّأس: قصُّ الشارب، والمضمضة والاستنشاق، والسِّواك، وفرق الرَّأس، وخمس في الجسد: وهي تقليم الأظفار، وحلق العانة، ونتف الإبط والختان، وغسل موضع الاستنجاء والبول بالماء (١).