قد غلبت عليكم. وخطبهم أبو أيوب الأنصاري بمثل ذلك، فأبوا إلا الإقامة على ما هم عليه.
وقال أبو مخنف وهشام: لما ورد أمير المؤمنين النهروان نزل قريبًا منهم على فرسخ، وبعث إليهم أبا أيوب الأنصاري، وقيس بن سعد، فقا لا لهم: إنكم قد ارتكبتم أمرًا عظيمًا باستعراضكم الناس تقتلونهم، وتشهدون علينا بالشرك، وهو ظلم عظيم، فقال لهما: عبد الله بن السَّخبر: إليكما عنا، فإن الحق قد أضاء لنا كالصبح، ولسنا براجعين إليكم، أو تأتوا بمثل عمر بن الخطاب، فقال قيس بن سعد: ما نعرفه الآن إلا علي بن أبي طالب، قالوا: فنحن ما نعرفه.
وتكلّم أبو أيوب الأنصاري بنحوٍ من هذا فقالوا: يا أبا أيوب، إنَّا إنْ بايعناكم اليوم حَكَّمتم غدًا آخر، فاقال: فإنا نَنْشُدكم الله أن تتعجَّلوا فتنة [العام] مخافة ما نأتي به في قابل، فقالوا: إليكما عنا، فقد نابَذْنَاكم على سواء. فانصرفا إلى أمير المؤمنين فأخبراه بذلك، فأقبل حتَّى وقف عليهم بحيث يسمعون كلامَه.
[ذكر الخطبة]
قال أبو مخنف: حدثني مالك بن أعين، عن زيد بن وهب - وذكرها هشام - أن عليًّا ﵇ أتى أهل النهر، فوقف عليهم وقال:
أيّتها العِصابة التي أخرجها المِراء والفجاجة، وصدَّها الهوى عن الحق، وطمح بها تزيين الشيطان، فأصبحتا في لُبْس وخطأ، إني نذير لكم أن تتمادوا في ضالالكم، فتُلْفَوا غدًا صرعى بأفناء هذا النهر بغير بَيِّنةٍ من ربّكم ولا بُرهان، أدم تعلموا أني نَهيتُكم عن الحكومة، وأخبرْتكم أن القوم ليسوا بأصحاب دِينٍ ولا قرآن، وأنكم إن خالفتموني جانبتم الحَزْمَ، فعصيتموني، ثم أخذتُ على الحكَمين أن يُحيِيا ما أحيا القرآن، ويُميتا ما أمات، فاختلفا وخالفا كتابَ الله وسنةَ وسوله، فنبَذْنا أمرَهما، ونحن على الأمر الأول، فأخبروني من أين أُتيتُم؟!
فقالوا: إنا حكَّمنا، فلما حكَّمنا أثِمْنا، وكنا بذلك كافرين، وقد تُبنا، فإن تبتَ كما تُبنا فنحن معك ومنك، وإن أبيتَ نابَذْناك على سواء، إن الله لا يهدي كيد الخائنين.