للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال علي: أصابكم حاصب، ولا بقي منكم وابِر (١)، أبعد إيماني بالله ورسوله، وهجرتي معه، وجهادي في سبيل الله، أشهدُ على نفسي بالكفر؟! لقد ضللتُ إذًا وما أنا من المهتدين.

وفي رواية هشام: ثم قال: ليَخرجْ إليَّ رجلٌ منكم تَرضَون به أُحدِّثه ويُحدِّثني، فإن وجبتْ عليَّ الحُجَّة أقررتُ لكم، وتُبتُ إلى الله، وإن وجبتْ عليكم فارجعوا.

فقالوا لعبد الله بن الكَوَّاء -وكان من كُبرائهم- اخرج إليه حتَّى تُحاجّه، فخرج إليه، فقال له علي: ما الَّذي نَقمتم عليّ بعد رضاكم بولايتي، وجهادكم معي وطاعتكم؟! وهلّا تبرَّأتُم مني يوم الجمل؟ فقال ابن الكَوّاء: لم يكن هناك تحكيم، فقال علي: ويحك، فأنا أهدى أم رسول الله ؟ فقال: بل رسول الله. قال: فما سمعت قول الله تعالى ﴿فَقُلْ تَعَالوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦١]، أكان الله يشكُّ أنهم الكاذبون؟ فقال: إن ذلك احتجاجٌ عليهم، وأنتَ شككتَ في نفسك، حتَّى رضيت بالحكَمَين، فنحن أحْرى أن نشكَّ فيك.

ولم يزل أمير المؤمنين يُحاجّ ابنَ الكواء بهذا وشبهه حتَّى قال ابن الكَوّاء: أنت الصادق في جميع ما قلت، غير أنك كفرتَ حيث حكَّمتَ الحكَمين. فقال: إنما حكَّمتُ أبا موسى وحدَه! قال: إن أبا موسى كفر، قال: فما ذنبي أنا؟ قال: رضاك. فصاح القوم: يا ابن الكَوَّاء، انصرف ودَعْ خطابَ الرجل، فلا حُكم إلا لله.

وتأهّب الخوارج للقتال، فعبّأ عليّ عسكرَه، فجعل على الميمنة حُجْر بنَ عَديّ، وعلى الميسرة شَبَث بن رِبْعي، وعلى الخيل أبا أيوب الأنصاري، وعلى الرّجَّالة أبا قتادة.

وجعل الخوارج على ميمنتهم زيد بن حُصَين، وعلى ميسرتهم شُرَيح بن أوفى (٢) العَبْسيّ - وكان من نُسَّاكهم - وعلى الرجَّالة حُرقوص بن زُهير، وعلى الخيل كلها عبد الله بن وهب.

ورفع علي رايةً وقال: مَن لجأ إليها فهو آمن، فقال فَرْوَةُ بن نَوْفَل


(١) أي: أحد. وفي (خ): واثر، وانظر تاريخ الطبري ٥/ ٨٤، والمنتظم ٥/ ١٣٣.
(٢) في (خ): شريح بن أبي أوفى. وهو خطأ.