للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختلفوا في السكينة على أقوال:

أحدها: أنها ريح خَجُوج هفَّافة لها رأسان ووجه كوجه الإنسان، قاله عليٌّ .

والثاني: أن رأسها رأسُ هرة ميِّتة، وذنبها ذنب هرَّة، كانت إذا صرخت في التابوت أيقنوا بالنصر، وكان يسمع منها صوت الهر، قاله مقاتل.

والثالث: أنها ريحٌ رأسها رأس هرة ولها جناحان، قاله مجاهد.

والرابع: أنها طَسْت من ذهب من الجنة كان يغسل فيه قلوب الأنبياء، قاله ابن عباس.

والخامس: كان فيه روح من الله يتكلم ويصوِّت، قاله وهب.

والسادس: أن المراد بالسكينة: السكون والطمأنينة، ففي أي مكان كان التابوت اطمأنُّوا إليه وسكنوا، قاله أهل المعاني (١).

﴿وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ﴾ [البقرة: ٢٤٨] أي: عند رجوعه إليهم.

وقال السُّدي: كانوا إذا اختلفوا في شيء تكَلَّم التابوت وحكم بينهم، وإذا حضر القتال قدَّموه بين أيديهم يستفتحون به على عدوِّهم. فلما عصوا وأفسدوا نزعه الله منهم.

قال: وسبب نزع التابوت منهم أنه كان للشيخ - واسمه عيلي- الذي ربى إشموئيل ابنان أحدثا في القربان شيئًا لم يكن فيه. كان للقربان كَلَّابان يسوطانه على النار، فأحدثا كلاليب وتعرَّضا للنساء، فغضب الله على بني إسرائيل وسلَّط عليهم العمالقة فأخذوا التابوت، فأُخبر عيلي فشهق شهقةً ومات، وَمَرِجَ أمر بني إسرائيل حتى بعث الله طالوت ملِكًا، وهذا قول السُّدي.

أما وهب، فإنه قال: إنما أُخذ التابوت قبل هذه بمدة طويلة (٢)، وقد ذكرناه.

ذكر ردِّ التابوت إلى بني إسرائيل

قال علماء السير: ولما أراد الله أن يردَّ التابوت على بني إسرائيل كانت العمالقة قد


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٧٠.
(٢) انظر "تاريخ الطبري" ١/ ٤٦٩ - ٤٧٠.