الحُملان الصِّغار، والدَّرْمَك والحلوى، وأول مَن لبس الثياب الطِّوال، والعمائم الكِبار، والسراويلات، وضُربت له الطُّبول والبُوقات، واتَّخذ الحُجَّاب والبَوّابين، وصفَّ بين يديه المُؤَذِّنين، وأول من فوَّض الزكاة إلى أربابها في الأموال الباطنة، إلى غير ذلك.
ذكر قيام النَّاس عليه
مرَّ عثمان رضوان الله عليه بجَبَلة بن عمرو السَّاعديّ وهو على باب داره، فناداه جَبَلة: يا نَعْثَل، والله لأحمِلَنَّك على قَلُوصٍ أجرب (١)، ولأُخرِجَنَّك إلى حَرَّة النَّار، ثم أتاه يومًا آخر بجامعةٍ وهو على المنبر فقال: والله لتَنزِعَنَّ عن بِطانتِك من آل أبي مُعَيط أو لأَطرَحَنَّها في عُنُقك، ويحك يا نَعْثَل، أطعمتَ أسواقَ المدينة بُنيّ الحكم الملعون، طَريد رسول الله ﷺ، يَشتري الجَلَبَ ويَبيعُه، ويجيءُ مَقاعد المتسوِّقين، وكان عثمان رضوان الله عليه قد أقطع الحارث بنَ الحكم في سوق المدينة مكانًا يُقال له: مَهْزور، وكان رسول الله ﷺ تَصدَّق به على المسلمين.
وجَبَلة أولُ من اجترأ على عثمان رضوان الله عليه، وكان في مَنَعَةٍ من قومه وساعده المسلمون، واجتمع النَّاس إلى عامر بن عبد قيس، وكلَّموه ليدخلَ على عثمان رضوان الله عليه، فيُعَدِّد عليه أحْداثَه، ويُناظِره فيما نَقَموا عليه، فدخل وقال: إن ناسًا من المسلمين قد اجتمعوا ونَظروا في أعمالك، فوَجَدوك قد ركبتَ أمورًا عِظامًا، فاتَقِ الله، وتُبْ إليه، وانزع عنها.
فقال عثمان رضوان الله عليه: انظروا إلى هذا، يَزعم أنَّه قارئ، ثم يُكلّمني في المحقرات، فوالله ما يَدري أين الله، فقال له عامر: والله إنني لأدري أين الله، إنه لك لبالمرصاد.
ولما رأى عثمان رضوان الله عليه ضَجيجَ النَّاس عليه كتب إلى أُمرائه فاستَقدمهم، فقَدم عليه معاوية من الشام، وابن أبي سَرْح من مصر، وسعيد بن العاص من الكوفة، وعبد الله بن عامر من البصرة، ودعا بعمرو بن العاص، فلما اجتمعوا عنده قال لهم:
(١) في الطبري ٤/ ٣٦٥: جرباء. والقلوص: الناقة الشابة، وهي مؤنثة.