للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحياء من نُسَيَّاتِ الطائف، كنت أحدثهن أنني هو، ثم أصير تبعًا لغلام من بني عبد مناف (١).

[ذكر وفاته]

قال سعيد بن المسيب: قدمت الفارعة أخت أمية على رسول الله بعد فتح مكة، وكانت ذاتَ جمالٍ وعقل وأدب. فقال لها: "هل تحفظين من شعر أخيك شيئًا"؟ قالت: نعم، وأعجب منه ما رأيت. قال: "وما رأيتِ"؟ قالت: قدم من سفر فدخل علي، فنام على السرير، إذِ انشق سقف البيت، ونزل منه طائران أبيضان، فوقع أحدهما على بطنه، ونقر صدره فاستخرج منه قلبه، فقال له الطائر الآخر: وَعَى، فقال: وعى، قال: أَفقَبلَ؟ قال: أبي، قالت: فردّا قلبه وطارا، فأتبعه أمية بصره، وقال: لبيكما لبيكما، ها أنا ذا لديكما، لا مال يغنيني، ولا عشيرة تحميني، لا بَريءٌ فأعتذر، ولا ذو عشيرة فأنتصر. ثم عادا فشقا قلبه، وهو يقول كذلك، فعلاه مرارًا. ثم قال: [من الرجز]

إن تغفِر اللهمَّ تغفر جَمَّا … وأيُّ عبدٍ لك لا ألمّا

ثم طارا من سقف البيت، فالتأم كما كان، واستوى أمية جالسًا. فقلت له: يا أخي، هل تجد شيئًا؟ قال: حرارة في صدري، ثم مسح يده على صدره وقال: [من الخفيف]

إنَّ يومَ الحسابِ يومٌ عظيمٌ … شَابَ فيه الصَّغيرُ شَيبًا طَويلًا

كلُّ عيشٍ وإن تطاوَلَ يومًا … صائرٌ أمرُهُ إلى أنْ يَزُولا

فاجعَلِ المَوتَ بين عينَيكَ واحذَرْ … غَولَة الدَّهر إنَّ للدَّهرِ غولا

ليتَني كنتُ قبل ما قد بَدا لي … في رؤوسِ الجبالِ أرعى الوُعُولا

قالت: ثم خرج من عندي، فمات بين بيتي وبيته (٢).


(١) الخبر في "تاريخ دمشق" ٩/ ٢٥٧، و"المنتظم" ٣/ ١٤٢ - ١٤٦. وما بين حاصرتين زيادة من "تاريخ دمشق".
(٢) "تاريخ دمشق" ٩/ ٢٨٢ - ٢٨٣.