فهل أخبرك صاحبك بهذا؟ فقال: إن صاحبي لا يعلم بذلك.
وسِرنا إلى دمشق فبعنا متاعنا، ثم رجعنا فمررنا بذلك المكان، فذهب إلى النصراني وجاء كئيبًا على حاله، فسرنا يومين وهو ساكت باهت. فقال: يا صخر، إني سائلك فأجبني، قلت: سل؟ فقال: أخبرني عن عتبة بن ربيعة أيجتنب المحارم والمظالم؟ قلت: نعم، ويصل الرحم وكريم الطرفين، ليس فينا قرشي أشرفُ منه. قال: فقد أخبرني هذا العالم، أن النبي الذي يخرج في هذا الزمان، رجل من أهل البيت الذي يحجه الناس، وقد كنت أرجو أن أكون أنا ذلك الرجل، فأصابني ما رأيت.
قال أبو سفيان: فظهر رسول الله ﷺ وأمية في اليمن، قد ذهب بتجارة ثم قدم الطائفَ، فخرجتُ فنزلتُ عليه، فقلت: أتذكر حديث النصراني يا أبا عثمان؟ قال: وكيف؟ قلت: قد ظهر ما قال، قال: ومن ذاك؟ قلت: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، قال: فتصبَّبَ عَرَقًا، ثم أتى مكة فلقي رسول الله ﷺ، فقال له: ما هذا الذي تقول؟ قال:"فما الذي تقول أنت"؟ فقام فخطب، وأنشد شعرًا، فقال رسول الله ﷺ: ﴿يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ إلى آخر السورة. فبهت، وقام يجر رجليه، فتبعته قريش، وقالت له: ما تقول؟ قال: أشهد أنه على الحق، قالوا: فهل تتبعه؟ قال: أنظر في أمري، وقال أبياتًا منها:[من الوافر]
إله محمَّدٍ حقًّا إلهي … وديني دينُه غير انتحالِ
قال أبو سفيان: لما عدنا من الشام، مضى أمية إلى الطائف ودخل مكة، وكان معي بضائع للناس، ولرسول الله ﷺ بضاعة، فجاء الناس يهنؤني بالسلامة ويسألوني عن بضائعهم، وجاء رسول الله ﷺ فسلم علي وهنأني بالسلامة، ولم يسألني عن بضاعته، فلما قام، قلت لهند: والله إن هذا الفتى ليعجبني، ما من أحد من قريش له معي بضاعة إلا وقد سألني عنها إلا هو. فقالت هند: وما علمت شأنه؟ ففزعت وقلت: وما شأنه؟ قالت: زعم أنه رسول الله، فذكرت قول النصراني فوجمت، وخرجت إلى الطائف، وأخبرت أمية، فقال: لئن ظهر وأنا حي لأُبْلِيَنَّ الله في نُصرته عذرًا، فمضيت إلى اليمن وعدت إلى الطائف، فقلت له: أين أنت من محمد؟ فقال: ما كنت لأصدق شيئًا من غير ثقيف أبدًا، وفي رواية: قلت له: ما يمنعك منه؟ قال: هو على الحق، ويمنعني