للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محمد بن عبد الملك بن عبد الحميد (١)

أصله من مَيَّافارِقين، وانتقل إلى بغداد، فأقام بها، وكان صالحًا زاهدًا، يتكلَّم على النَّاس بجامع الخليفة على السجَّادة قاعدًا، وربما قام على قدميه قائمًا، وكان يحفظ "نهج البلاغة"، وكان لكلامه في القلوب موقع، وتوفي في رجب ببغداد بباب أبرز، وعمره إحدى وسبعون سنة.

وله نَظْمٌ ونَثْر، فمن ذلك: اللهم إنِّي أعوذُ بك من حركات الهوى واللهو، وسكنات البلادة والسَّهو، أطلعْ ثمارَ الأماني من أغصان آمالنا، لُمَّ بلُطْفك شَعَثَ أحوالنا.

ولما حُوصرت بغداد، قال: عساكر الأقضية والأقدار مُحْدِقةٌ بأسوار الأعمار، تَهْدِمُها بمعاول اللَّيل والنهار، فلو أضاء لنا مِصْباحُ الاعتبار، لم يبق لنا سكونٌ ولا قَرَار.

وقال: الخَلْوة لقومٍ سرور، ولآخرين غرور، ولا تنظروا إلى المَجَازِّيات الزَّائلات، وانظروا إلى الحقائق الدائمات.

وقال: اللهم، سَلِّمْ القلوبَ من سُموم الهموم، بدِرْياق الثقة بالرِّزق المقسوم.

ومن شعره: [من البسيط]

يا مَنْ يرى خدمة السُّلْطان عُدَّته … ما أرْشُ كدِّكَ إلا الهَمُّ والنَّدمُ

دعِ الملوكَ فخيرٌ من طِلابك ما … ترجوه عندهُمُ الحِرْمانُ والعَدَمُ

إني أرى صاحِبَ السُّلْطان في ظُلَمٍ … ما مِثْلُهُنَّ إذا قاس الفتى ظُلَمُ

فقلبُه تَعِبٌ والنَّفْس خائفةٌ … وعِرْضُه عُرْضة والدِّينُ منثلمُ (٢)

[السنة الخامسة والستون وخمس مئة]

فيها نزل الفرنج على دِمياط يوم الجُمُعة ثالث صفر، وجدُّوا في القتال، وأقاموا عليها ثلاثة وخمسين يومًا يضربونها بالمجانيق، ويزحفون عليها ليلًا ونهارًا، ووجَّه صلاحُ الدِّين إليها العساكر مع خاله شهاب الدِّين وتقيِّ الدِّين، وطلب من العاضد


(١) له ترجمة في "خريدة القصر" قسم شعراء الشام: ٢/ ٤٣١ - ٤٥٤، و"المنتظم": ١٠/ ٢٢٩، و"الوافي بالوفيات": ٤/ ٢٤٤، و"شذرات الذهب": ٤/ ٢١٤.
(٢) نسبت الأبيات إلى أبي الفتح البستي، وهي في "ديوانه": ١٧٦ - ١٧٧، مع اختلاف في بعض الألفاظ.