للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل في قصة أسا بن أبيّا بن رُحُبْعُم بن سليمان مع صاحب الهند (١)

وكان أعرج من عرق النَّسا، ولم يكن نبيًّا، وإنما كان عبدًا صالحًا على ما قيل، فطمع فيه الملوك لزمانته.

قال علماء السِّير: ولما قام أسا كان في بني إسرائيل من يعبدُ الأصنام، فنادى مناديه ألا إنَّ الكفر قد مات، وعاش في بني إسرائيل الإيمان، ومن عبد صنمًا قتلته، وكسر الأصنام، وقتل جماعة منهم فهربوا إلى الهِنْد، وبها ملكٌ يقال له: أزرج (٢)، وكان جبارًا عاتيًا، فدخلوا عليه ووصفوا له بلاد الشام وما في البيت المقدس من الأموال والجواهر، وقالوا: أنت أحقُّ بها فقال: حتى أبعث إلى تلك البلاد من يكشفها لي، وبعث جواسيس في زي التجار ومعهم الأمتعة الفاخرة والجواهر الثمينة، وأمرهم أن يعلموا عِلْمَ شأنِ تلك الأرض وأحوال بني إسرائيل، فقدموا الشام وأظهروا تلك الأمتعة وكشفوا البلاد وعلموا علمها، وقالوا للناس: ما بال الملك لا يشتري منا متاعًا ومعنا الطرائف واليواقيت التي لم ير مثلها؟ فقالوا: إن عنده من الجواهر والأمتعة والخزائن التي سار بها موسى من مصر، وما جمع ملك داود وسليمان وُيوشَع ومَن بعدَهم، قالوا: فبم يقاتل إنْ دهمه عدوٌّ، وعدته للقتال قليلة؟ قالوا: له صديق لو استعان به على أن يزيلَ الجبالَ لأزالها، وله جنود لا تُحْصَى. ثم أرسلوا إلى أسا: قد جئنا من بلاد بعيدة ومعنا هدية ونريد أن تقبلها منا، فأحضرهم وما معهم وقال: لا حاجةَ لي فيه، إنما أطلب ما يبقى وهذا يفنى، ثم أحسن إليهم وعادوا إلى الهِنْد، فأخبروا أزرج بالخبر، وقالوا: إنَّ بلاده في غاية الحسن والنزهة وكثرة الأموال، وخصوصًا المسجد الذي لهم، فإن فيه من الجواهر والأموال ما لم يوجد في غيره، وقالوا: له صديق عظيم لو سأله أنْ يزيل الجبال لأزالها، فقال: جنودي أعظم من جنود صديقه، ثم جمع العساكر وكانت ألف ألف فاختار منهم مئة ألف يكونون حوله، وسار في مئة ألف ألف مركب، وزيَّنها بالقباب والفِيَلة والعُدَّة والخزائن ما لم يشاهد


(١) انظر "تاريخ الطبري" ١/ ٥١٧، وعرائس المجالس ٣٣٠، و"المنتظم " ١/ ٣٨٩، و"الكامل" ١/ ٢٥١.
(٢) في تاريخ الطبري والمنتظم: زرح، وفي عرائس المجالس: روح.