للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسهرتُ له ليلي، فقال: إذن أُخفيه عن نفسي، فقال: قد ندمتُ على قتل جعفرِ بن يحيى ندامةً لا أَقدرُ أن أَصفَها، ووددت أنِّي خرجتُ من ملكي وأنَّه بقي، فما وجدت طعمَ النومِ ولا لذَّة العيشِ منذ قتلتُه.

فبكى إبراهيمُ وقال: رحم اللهُ أبا الفضلِ وتجاوَزَ عنه، فلقد أخطأتَ واللهِ في قتله، وأين يوجد في الدُّنيا مثلُه، فقال له الرشيد: قم لعنك اللهُ يا ابنَ اللَّخْناء، فقام وهو لا يَعقِل، فدخل على أمِّه فقال: يا أُماه، ذهبَتْ واللهِ نفسي. وأَخبرها الخبرَ وقال: إنَّ الرشيدَ قد امتحنني بمحنةٍ لو كان في ألف نفسٍ لم أَنجُ منها بواحدة، فدخل عليه ابنُه بعد ليالٍ فقتله.

جعفرُ بنِ يحيى

ابن خالدِ بن بَرْمَك، أبو الفضلِ البرمكي.

كان من علوِّ القدر، ونفاذِ الأمرِ، وعِظَم المنزلة، وجَلالةِ المَحَلِّ عند هارونَ بحالةٍ لم يشاركْه فيها أحد، وكان جميلًا وسيمًا، معتدلَ القامة، ذا وَفْرة، طويلَ العُنق جدًّا، وهو أوَّل مَن زاد في زِيقه ليَستُرَ عُنُقَه، فقيل: زيقٌ برمكي.

وكان حسنَ الأخلاق، طلقَ الوجه، جودُه وعطاؤه أشهرُ من أن يخفَى، وكان من الفصاحة والبراعةِ والبلاغةِ على حظٍّ وافر.

وكان أبوه قد ضمَّه إلى القاضي أبي يوسُف، ففهَّمه وعلَّمه.

نظر بحضرة الرشيدِ ليلةً في ألف قصَّة، فوقَّع على جميعها، فعرضت على الحكَّام، فلم يجدوه أخطأ ولا في واحدةٍ منها، ولم يخرجْ عن الفقه.

ورُفعت إليه قصة من مُتَظَلِّم من عامل، فكتب عليها: بئس الزادُ ليوم المعادِ ظلمُ العباد.

وهو أوَّل ص ضرب الدنانيرَ الجعفرية، ضرب أوَّلًا في كلِّ دينارٍ مئةَ دينارٍ ودينار (١)، فكان يُطلق المئةَ منها، وكان على أحد جانبَي كلِّ دينارٍ مكتوب: [من المتقارب]


(١) في الكلام هنا وما سيذكره بعد قليل من قوله: ثم ضرب في كل دينار ثلاثة مئة دينار: اضطراب. ففي تاريخ بغداد ٨/ ٣٤، ومختصر تاريخ دمشق ٦/ ١٠٢ وغيرهما: ولا غضب على البرامكة، وجد في خزانة لجعفر بن =