للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأَصفرَ من ضَربِ دارِ الملوك … يلوحُ على وجهه جعفرُ

يزيدُ على مئة واحدًا … إذا ناله مُعْسِرٌ يوسر (١)

ثم ضرب في كلِّ دينارٍ ثلاثَ مئةِ دينار، وكان يطلق المئة منها.

وأراد الركوبَ إلى دار هارونَ من داره على شاطئِ دجلة، فأخذ الأَسطُرلاب، فمرَّ ملَّاحٌ على سفينةٍ وهو يقول: [من الوافر]

يدبِّر بالنُّجوم وليس يدري … وربُّ النَّجم يفعلُ ما يشاءُ (٢)

فضرب بالأَسطرلاب الأرضَ، فكسره وركب.

وكان ينظر إلى الكاتب وهو يكتبُ من بعيد، فيعلم ما يجري به قلمُه، وكذا كان أبوه يحيى.

قال سليمانُ بن الحارث: كنتُ في موكب جعفرِ بن يحيى، إذ اعترضه بهلولُ هاربًا من صبيان الكرخِ وبيده حجران، فألقاهما وأخذ بلجام بغلةِ جعفرٍ وقال: [من البسيط]

يا جعفرَ الجودِ والمعروفِ والكرمِ … يا كعبةَ الفضلِ والإِفضالِ والنِّعمِ

يا مَن إذا السُّحب لم تَسمح بدِرَّتها … كانت أناملُهُ أَندَى من الدِّيَم

ما لي إليك شفيعٌ أَستعين به … إلَّا العلاءَ وطيبَ الأصلِ والشِّيَم

لله دَرُّك من حرٍّ أخي كرمٍ … مُعطي الكثير بلا منٍّ ولا سأَم

فقال له جعفر: تمنَّ، فقال: تردُّ عليَّ عقلي، قال: لا أَقدر على ذلك، قال: فتؤمِّنِّي من الموت، قال: وهذه أَصعب، قال: فتكفيني أولادَ الزِّنى، فقال: هذا مُتَعَذِّر، فقال بُهلول: فما تظن أنَّني أطلب منك؟! كسوةً تفنَى وثوبًا يَبلَى، وقد بذلتُ لك ما يبقى؟! إنِّي إذن لَقليلُ الخبرةِ بالتِّجارة. ثم ترك لجامَ بغلتِه ومضى وهو يقول: [من السريع]

ظنَّ ابنُ يحيى أَنني راغبٌ … في ماله مالي وللمالِ

واللهِ ما أَنصفَ مَدحي له … مَن لم يُبَلِّغنيَ آمالي


= يحيى في جرة ألف دينار في كل دينار مئة دينار … كان جعفر بن يحيى أمران تضرب له دنانير في كل دينار ثلاث مئة مثقال وتصور عليها صورة وجهه … إلخ.
(١) انظر تاريخ بغداد، ومختصر تاريخ دمشق، والمنتظم ٩/ ١٤٣ والسير ٩/ ٦٣.
(٢) التذكرة الحمدونية ٩/ ٣٢١، وفيات الأعيان ١/ ٣٣٩ - ٣٤٠. وانظر نفح الطيب ٥/ ٢٩٧.