للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يفنَى الذي يُعطي ويبقَى له … حُسنُ أماديحي وأَقوالي

فأتبعه جعفرُ بصرَه وقال: صدقتَ يا أبا محمَّد.

ذِكر مقتله:

واختلفوا في سببه على أقوال:

قال الطَّبري (١): كان الرشيدُ لا يصبر عن أخته العبَّاسةِ بنت المهديّ، وكان يُحضرها إذا جلس للشُّرب، فقال لجعفر: أُزوِّجك إياها ليحلَّ لك النظر، فزوَّجها منه، ثم كان يُحضرهما مجلسَ الشراب، ثم يقوم عن مجلسه ويخلِّيها فيه وهما ثَمِلان، فيجامعها جعفر، فحبلت منه وولدت غلامًا، فخافت على نفسِها من الرَّشيد، فبعثت بالغلام إلى مكَّةَ مع الحواضن من جواريها، وأَرسلت معه بالأموالِ والجواهر، ولم يزل الأمرُ مستترًا عن هارونَ حتى وقع بين العباسة وبعضِ جواريها، فوشت بها إلى الرَّشيد ودلَّته على مكان الصبي بمكَّة، فحجَّ هارون، وأَرسل فأَحضر الحواضن، وسألهنَّ فأخبرنَه الخبر، فأراد قتلَ الصَّبي، ثم تخوَّف من ذلك، ولمَّا عاد من حجَّته قتل جعفرًا.

وقال أحمدُ بن زهير: إنَّ الرشيدَ لمَّا زوَّج أختَه من جعفر، اجتنبها مدَّةً ومنع نفسَه عنها، وأَحبَّته، فدخلت على أمِّه فشكتة إليها، وحملت إليها الجواهرَ والهدايا، فوعدتها أن تجمعَ بينهما، فاحتالت عليه أمُّه وقالت: قد اشتريتُ لك جارية روميةً من بنات الملوك، ووصفَتْها له. فجاء وهو سكران، فواقعها ولم يعلم، فقالت له: كيف رأيتَ حيلَ بناتِ الملوك؟ وأَخبرته أنَّها العبَّاسة. فأَفاق من سُكره، ودخل على أمِّه وقال لها: لقد بعتيني بثمنٍ بَخسٍ، وحملتيني على المركب الوَغر، وسوف ترين. ووضعت العباسةُ غلامًا فبعثَتْ به إلى مكَّة.

وكان يحيى ينهى زُبيدةَ عن صحبة الخدَّام، فشكته إلى الرشيدِ وقالت له: هلَّا غار على حَرَمك، فقال: واللهِ ما أَتَّهمه في حرمي، فقالت: بلى، قد حملَتْ أختُك من جعفرٍ بغلامٍ وبعثت به إلى مكَّة، فقال: اكتُمي هذا، وحجَّ في هذه السَّنة، فقتل الصبيَّ


(١) في تاريخه ٨/ ٢٩٤.