للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن فضَّة التيمي جابان مقدّم العساكر، فخدعه بمال فأطلقه، فأخذه المسلمون وأتوا به أبا عبيد، وأخبروه أنه الملك، وقالوا اقتُله، فقال: إني أخاف اللَّه، كيف أقتله وقد أمَّنه رجلٌ من المسلمين، والمسلمون في الأمان كرجل واحد، فاستبقاه، وأسر أكتلُ بنُ شمَّاخ العُكلي (١) مردانشاه، فقتله ولم يعرفه، وكان من عظماء الفرس.

ولما انهزمت الفرس التجؤوا إلى نرسي، وكان بكَسْكَر ومعه ابن خاله بندويه.

وفي وقعة النمارق يقول عاصم بن عمرو: [من الطويل]

لعَمري وما عمري عليَّ بهيِّنٍ … لقد صُبِّحت بالخِزي أهلُ النَّمارقِ

بأيدي رجالٍ هاجروا نحو ربِّهم … يَجوسونهم ما بين دُرْنا وبارقِ (٢)

وبعث أبو عبيد بالغنائم إلى عمر، وهي أول غنيمة وصلت من العراق إليه.

وقعة كَسْكَر

وسار أبو عبيد إلى كسكر، وهي مكان بالعراق، والتقوا، وعلى ميمنة نَرسي وميسرته ابنا خاله بسطام، وهم ابن دويه وتيرويه، وأبو عبيد على تعبية، وكان رستم قد جهّز الجيوش مع الجالينوس، فأعجلهم أبو عبيد قبل وصوله، وكانت الوقعة بين كَسْكر والسَّقَاطِية، فاقتتلوا في صحارى مُلْس، فنصر اللَّه المسلمين وانهزمت الفرس، وهرب نرسي، وغنم المسلمون أموالَهم، وظفر أبو عبيد بحمًى كان لنرسي لم يكن بالعراق مثلُه، وهو حول كسكر، فلم يفرح المسلمون بشيء كفرحهم به لأجل دوابّهم، وأخذ خزائن نرسي، وبعث الأمراء إلى أماكن، فهزموا مَن كان بها، وأهدى بعضُ الدَّهاقين من أهل زَندورد إلى أبي عبيد طعامًا كثيرًا أكرموه به، فقال أبو عبيد: أَكُلَّ الجند أهديتُم له مثل هذا؟ قالوا: لا، قال: فبئس المرءُ أنا إن صحبتُ قومًا ثم أستأثِرُ عليهم بشيء، ولم يأكل منه لقمة.


(١) في (أ) و (خ): العجلي، والمثبت من الطبري ٣/ ٤٥٩، والاستيعاب (١٥٨)، والإصابة ١/ ١١٠، والاكتفاء ٤/ ١٢٠.
(٢) تاريخ الطبري ٣/ ٤٥٠ - ٤٥١.