في يوم عاشوراء جَلَسَ محمد الطُّوسي بالتَّاجية، وقال على المنبر: إنَّ ابن مُلْجَم لم يكفر بقتل علي ﵇، فضُرِبَ بالآجُرِّ، وثار النَّاس، ولولا مَنْ كان حوله من الغِلْمان لقُتِلَ، فلما كان في اليوم الثَّاني من مجالسه فرشوا له المنبر ليجلس، فاجتمع الناس على باب التَّاجية، ومعهم قوارير النِّفْط ليحرقوه، وبعضهم في أيديهم الآجُر ليرجموه، فلم يحضر، فأحرقوا منبره، وأحضره نقيب النقباء، وأسمعه كلامًا غليظًا، فقال له: أنتَ نائبُ الدِّيوان، وأنا نائب الله في أرضه. فقال له النقيب: أنا نائبُ الدِّيوان وأنت نائب الشَّيطان. وأمر بأن [يجرَّ](١) برِجْله، وكتب إلى الخليفة يخبره [بما بدا منه](١)، فأمر [الخليفة](١) بنفيه، فنفي إلى الجانب الغربي، ثم خرج بعد مُدَّة إلى مِصْر، [وجرى له العجائب، وسنذكره](١).
وفيها كَتَبَ صلاحُ الدِّين إلى نور الدين يسأله ويستأذنه في إنفاذ جيشٍ إلى اليمن، فأَذِنَ له، فبعث أخاه تورانشاه شمسَ الدَّوْلة، فسار إليها في رجب، وكان بها عبد النَّبي بن مهدي، ويلقب بالدَّاعي من أصحاب المِصْريين، وكان ظالمًا فاتكًا، فحصره شمسُ الدَّولة في قصر زَبيد مدَّة، ثم طلب الأمان، فأَمَّنه، فلما نزل إليه قيَّده ووكل به، [فسار شمس الدولة](١)، ففتح صنعاء وحصون اليمن والمدائن، فيقال: إنَّه فتح ثمانين حِصْنًا ومدينة، واستولى على أموالها وذخائرها، وقَتَلَ [الخارجي](١) عبدَ النَّبي [بن مهدي](١) وولى على زبيد سيف الدولة مبارك بن منقذ [أبا الميمون، وكان من الفصحاء جوادًا مُمَدَّحًا](١)، وعزّ الدين عثمان بن الزَّنجيلي على باقي البلاد.
وفيها أكثر نور الدِّين من الصَّدقات والصِّلات، وزاد في الأوقاف، وكسا اليتامى، وزوَّج الأرامل، وأغنى الفقراء، وكشف المظالم، بحيث لم يبق في بلاده مَظْلِمة [إلا وردَّها](١)، وبعث خالد بن محمّد بن القَيسَراني أمينًا على مال القَصْر، ومستوفيًا لحواصل البلاد، فأكرمه صلاحُ الدِّين، وقال: نحق مماليكُ نورِ الدِّين، افعل ما أمرك إلا أنَّ جماعةً من الأكابر قد تصرَّفوا في أماكن لا يمكن انتزاعها منهم، ولا يرضون بأن