للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولون لا فَقْرٌ يدوم ولا غنى … وما كُرْبةٌ إلا سيتبعها كَشْفُ

ولستُ أرى فقري وضُري بمنقضٍ … كأني على هذين وحدهما وَقْف (١)

وقال في خُطْبة كتاب "لُمَح المُلَح": هذا كتابٌ أَحكمتُ أُصوله، وأَبرمتُ فصوله، خدمتُ به خزانةَ إمام الزَّمان، وتالي القُرْآن، وصاحب القرآن، الإمام الأوَّاه، المقتفي لأمر الله، الذي لم يكن في خليقةٍ مِثْلَه خليفة، وكل طريقةٍ منه طريفة، فكم من قطرةٍ من سحابِ مبتدعاتِ كَلِمِه جمعتُها في قرار واديه، ودرّة من سحاب توقيعات قلمه رصَّعْتُها بين صغار لآليه، إمامٌ يواقيت مناقبه عالية عن مطمح مُشْتام، غالية على مطمع مستام، أعلق شهابَ العَدْل فتسعَّر لَفْحه، وأغلق بابَ الظُلْم فتعسَّرَ فتحه، واستقامتِ الأقاليم بأقلامه، واستغنت الأيامى في أيامه، وأحيا محيَّاه وارفةَ عَدْلِهِ.

[من الهزج]:

وذي زيغٍ أعدَّ له … فحين أتاه عدَّلَهُ

وجادله فجادله … فجدَّ له فجدَّ لَهُ

إمامٌ مَنْ تأمَّله … لكَشْفِ الضّر أَمَّلَهُ

يرى من نَسْلِ عَبَّاسٍ … طليق الكَفِّ مُرْسَلَهُ

ينحو الصَّواب قولًا وآراءً، ويصوِّب في الإباء طولًا وعطاء، جَمَعَ أشتات الفضائل، وقطع أسباب الرَّذائل، وأجار الأنام من جَوْر الأيام، وبلغ الأوطار، كم غاش لذكره عاشٍ إلى ضوء ناره، عاشٍ بمبارّه، فلا زالت رياض ناديه ممرعة الرُّوَّاد، وحياض أياديه مترعة للوُرَّاد، ما تثنى عود ورسا عمود، واهتزَّ عامل بُسْتان، واعتز عامل بسُلْطان، وحبست شياطين جوارحه الكائدة استسلامًا، وحبست سلاطين جوارحه الصائدة آثامًا، كمن كَرَعَ في رياض المني صاديًا، ورتع في غياض الهوى متماديًا.


(١) "الخريدة": ٤/ ٤٥ مع اختلاف في بعض الألفاظ. وفي (م) انتهت ترجمته، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
تم الجزء الثالث عشر من "مرآة الزمان في تواريخ الأعيان" لابن الجوزي قدس الله روحه ونور ضريحه، ووافق الفراغ من نسخه في العشر الآخر من رجب الفرد سنة خمس وثلاثين وسبع مئة على يد العبد الفقير إلى الله تعالى المعترف بالتقصير إبراهيم بن عبد العزيز، غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين آمين، يتلوه إن شاء الله تعالى في الجزء الرابع عشر "مرآة الزمان في تواريخ الأعيان" السنة التاسعة والستون وخمس مئة.