للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عشرين ألفًا في الحِلَّة، وبينهما أنهارٌ ومواحل (١)، فآثَرَ السُّلْطان مصالحته، والصَّفحَ عنه، وإيقاع موادعته، فأبى ذلك كافَّةُ الأمراء والمُقَدَّمين، ونهضُوا إليه، فلما عَرَفَ ذلك قَطَعَ الأنهار، ووَصَلَ في جَمْعِهِ حتى صار بإزائهم، وكان منزله كثيرَ الوَحَلِ، عَسِرَ المجالِ، فَتَرَجَّل الأتراكُ عن خيولهم، وجَثَوا على رُكَبِهِمْ، وأطلقوا السِّهام، فانهزمَ أصحابُ صَدَقة، وركب التُّرك أكتافهم، وقتلوا منهم خَلقًا كثيرًا، وقتِلَ صدقة في الجُملة، ووجوه رجاله، ولم يُفْلت منهم إلا اليسير، وكان السُّلْطان قد اعتمد في ترتيب الجيش على الأَمير مودود المستشهد بيد الباطنية بجامع دمشق، ووصل السُّلْطان من غَدِ يوم الوقعة، ونَزَلَ الحِلَّة.

ولم يكن في العرب مِثْل صَدَقة في البيت والتَّقدُّمِ والإحسان، وحُسْنِ السِّيرة، والإنصاف والكَرَمِ، وجزيلِ العطاء، وشِدَّةِ الوفاء، والصَّفح عن الكبائر، والتَّعَفُّفِ عن أموال الرَّعية، إلا أنه كان مع هذه المآثر مُطَّرِحًا لفرائض الشّريعة، متغافلًا عن ارتكاب المحارم الشنيعة، مُسْتحسنًا لِسَبِّ الصَّحابة ، فكان ما نَزَلَ به عاقبةَ ذلك (٢).

ثم إنَّ السُّلْطان أطْلَقَ ولدَه دُبَيسًا، واستَحْلَفَه على الإخلاص والطّاعة.

السنة الثَّانية وخمس مئة

[و] (٣) فيها فَوَّضَ السُّلْطان محمَّد إلى بِهْرُوز الخادم عِمارةَ العراق، فشَرَعَ في تتمَّةِ جامعِ السُّلْطان، وحَفْرِ الأنهار، وكِرَاءِ (٤) السَّواقي، فَعَمَّ الرُّخْصُ [العراق] (٥)، وبنى [بهروز الخادم] (٥) رِباطًا للصُّوفية قريبًا من النِّظامية، وهو قائِمٌ إلى الآن (٦).

وبعَثَ الخليفةُ إلى أَصبهان، فاستدعى أبا القاسم عليَّ بنَ جَهِير، وولَّاه الوزَارة، وعَزَلَ ابنَ المُطَّلب في شعبان (٧).


(١) في النسخ الخطية: وسواحل، وهو تحريف، والمثبت من "ذيل تاريخ دمشق".
(٢) "ذيل تاريخ دمشق" لابن القلانسي: ٢٥٥ - ٢٥٦، وانظر "الكامل": ١٥/ ٤٤٠ - ٤٤٩.
(٣) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٤) أي حفرها وإخراج طينها. "اللسان" (كري).
(٥) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٦) انظر "المنتظم": ٩/ ١٥٩.
(٧) انظر المصدر السالف.