للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رحْلِه بغير ركاب، وتحته كساء من دبر، وهو فراشه إذا نزل، وعليه قميص من كرابيس قد دَسِم وتَخَرَّق جَيْبه (١)، فقال: ايتوني بقميص، واغسلوا قميصي هذا، فأَتوه لقميص كتّان، [فقال: ما هذا؟ قالوا: كتان، قال: وما الكتان؟ فأخبروه] به، وقال: ايتوني بكرابيس، فأتوه به، فنزع ثوبَه وقال: اغسلوه، فقال له دهقان الجابية: أنت ملك العرب، وهذه البلاد لا تصلح فيها الإبل (٢)، فلو ركبتَ بِرذونا، فأُتي ببرذون، فطرح عليه قطيفةً، بغير سَرْج ولا رَحْل، فركبه وسار هُنيَّةً وقال: احبِسوا، ما كنتُ أظنُّ أن الناس يَركبون الشياطين قبل هذا، عليَّ بجملي، فجيء به فركبه (٣).

وقال هشام: لمّا نزل عمر الجابيةَ جاء إليه عظماءُ أنباط الشام، وقالوا: قد صنعنا لك طعامًا، ونُريدُ أن تدخُل كنيستَنا، فقال عمر: في كنائسكم الصُّورُ، وإنَّ الملائكةَ لا تدخُلُ بيتًا فيه صورةٌ، ومَن دخل بيتًا فيه صورةٌ حبط عملُه أربعين صباحًا، ثم قال لأبي عبيدة: انطلق معهم، فذهب ومعه المسلمون، فدخل كنيستهم، وتغدّى ومَن معه من المسلمين، وجعل يقول: ما ضَرَّ أمير المؤمنين لو دخل وتغدَّى (٤).

[ذكر وقف عمر الشام]

ذكر علماءُ السير أن عمر لمّا قدم الجابية استشار الصحابةَ في الشام: هل يقسمه بين الغانمين، أو يُوظِّف عليه الخراج، أو يوقفه على جميع المسلمين؟ فأشار بعضهم بالقسمة، وبعضهم بتوظيف الخراجِ، فقال له معاذ بن جبل: يَا أمير المؤمنين، أوقفه على المسلمين فهو أنفعُ لهم، فأجابه عمر إلى ذلك، وأثنى عليه وشكره.

[ذكر مسير عمر بن الخطاب إلى بيت المقدس]

قال سيفٌ وغيره: لما توجَّه عمرُ من الجابية إلى فلسطين هرب الأرطبونُ والتذارق


= الشامي، وفي تاريخ دمشق ٥٣/ ٢٦٠: أبو العادية الشامي، وفي تهذيب الكمال (ترجمة عبد اللَّه بن مسلم): أبو العالية الشامي.
(١) في (أ) و (خ): جنبه.
(٢) في (أ) و (خ): لا يصلح ما فيها إلا بك.
(٣) من قوله: وفي رواية علمني وفهمني. . . إلى هنا ليس في (ك).
(٤) تاريخ دمشق ١٢/ ١١٣ (مخطوط).