كسرى يَرزق أصحابَه منه، فلذلك سُمَّي الأنبار، ووجد خالد في الأنبار قومًا يكتبون بالعربية وهم من العرب، فقال: من أنتم؟ فقالوا: من إياد نزلنا ههنا في أيام بختنصَّر (١).
ولما سار خالد عن الأنبار استخلف فيها الزّبرقان بن بدر، وكاتب خالد مَن حول الأنبار؛ مثل أهل كَلْواذى والبَوازيج، فصالحهم، وكانوا عيونًا له من وراء دجلة، يُطالعونه بالأخبار، قال هشام: فلما فَصل خالد عن العراق نقض أهلُ الأنبار الصُّلح، وكذا مَن حولهم.
[ذكر موضع بغداد اليوم]
كان سوقًا لقُضاعة، فبعث خالد المثنّى، فأغار عليهم، وجمع ما كان فيه، وعاد إلى خالد، وقيل: إن هذه الوَقْعة والغارة كانت بعد انفصال خالد عن العراق في سنة ثلاث عشرة، وسنذكرها إن شاء الله تعالى.
قصة عين التَّمْر
ولما فرغ خالد من الأنبار سار إلى عين التَّمْر، وبها جَمعٌ عظيم من الفرس والعرب، وعلى الفرس مِهران بن بَهرام، وعلى العرب عقَّة بن أبي عقّة، فقال عقّة لمهران: نحن أعرف بقتال بعضنا لبعض فدعني وخالدًا، فكلَّمت الفرسُ مهران في ذلك، فقال: إن كانت الغلبةُ لعقَّة فهو فتحٌ لكم، وإن كانت عليه وصلوا إليكم وقد ضَعُفوا، وقد نَهَكَتْهم الحرب، فتَظهروا عليهم.
وخرج عقّة إلى خالد، فالتقوا دون عين التّمر، واقتتلوا، فحمل خالد على عقّة، فأسره وقتل أصحابه، وانهزم الباقون، وبلغ مهران فهرب من الحصن، ونزل فيه مَن انهزم من أصحاب عقّة، وسبق جماعةً من الحصن، ووجد في بِيعة الحصن أربعين غُلامًا يتعلّمون الإنجيل، ففرّقهم في المسلمين، وكان فيهم سيرين أبو محمَّد بن سيرين، وحُمران مولى عثمان بن عفان، وأبو عمرة جد عبد الله بن عبد الأعلى الشاعر،
(١) في الطبري ٣/ ٣٧٥: فسألهم ما أنتم؟ فقالوا قوم من العرب، نزلنا إلى قوم من العرب، فكانت أوائلهم نزلوها أيام بختنصر، فقال: ممن تعلمتم الكتاب؟ فقالوا: تعلمنا الخط من إياد.