للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السنة الرابعة والثمانون]

وفيها فتح يزيد بن المهلب قلعة نَيزَك بباذَغيس، [قال المفضل بن محمد:] وهي من أعظم القِلاع، وكان صاحبها نيزك شجاعًا فاتكًا، وكان ينزل فيها في بعض الأيام للصيد، فرصده يزيد، ووضع عليه العيون وكاتب مَن فيها فأجابوه، فخرج إلى الصيد، فجاء يزيد إليها وبلغ نيزك، فصالح يزيد على أن يُعطيه عياله، وما في القلعة من الخزائن، وأن يُسلِّمها إليه، ففعل، وكتب يزيد بن المهلّب إلى الحجاج بالفتح.

وكان الكتاب بخطّ يحيى بن يَعْمَر العَدْواني، وفيه: أما بعد، فإنا لقينا العدوّ، فمنحنا الله أكتافهم، فقتلنا طائفة، وأسرنا طائفة، وهربت طائفة إلى رؤوس الجبال، وعَراعِر الأودية، وأَهْضام الغِيطان، وأثناء الأنهار، فلما قرأه قال: مَن يكتب ليزيد؟ قيل: يحيى بن يَعْمَر، فكتب إلى يزيد فحمله على البريد، فقدم عليه أفصحُ الناس، فقال: أين وُلدت؟ قال: بالأهواز، قال: فهذه الفصاحة من أين؟ قال: حفظتُ كلامَ أبي وكان فصيحًا، قال: فأخبرني هل يَلْحَن عَنْيَسَةُ بنُ سعيد؟ قال: نعم كثيرًا، قال: ففلان؟ قال: نعم، فعَدَّ جماعة ثم قال: فأنا؟ قال: لا، فأقسم عليه فقال: نعم تلحن لحنًا خفيًّا؛ تزيد حرفًا وتَنقص حرفًا، وتجعل أنْ في مواضع إن، وإن في موضع أن، قال: قد أجَّلتُك ثلاثًا، فإن وُجِدتَ بعدها قتلتُك، فرجع إلى خراسان (١).

وقال عاصم (٢): ذكر الحجاج يومًا الحسين بن علي فقال: لم يكن من ذرّية رسول الله ، فقال له يحيى بن يَعْمَر: كذبت، فقال الحجاج: لئن لم تأتني ببيِّنة من كتاب الله لأقتُلنّك، فقرأ يحيى: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيمَانَ﴾ إلى قوله: ﴿وَعِيسَى﴾ [الأنعام: ٨٤ - ٨٥]، ولم يكن له أب، فأخبر الله أنه من ذرّية آدم بأمه، فكذا الحسين بن علي ابنُ رسول الله ، فنفاه إلى مرو، وفي رواية: فقال الحجاج: والله ما كأني سمعتُ بهذه الآية قطّ، ثم قال له: قد وَلَّيتُك قضاءَ مَرو فأخرج إليها، فخرج قاضيًا عليها.


(١) "تاريخ الطبري" ٦/ ٣٨٦ - ٣٨٨ و "المنتظم" ٦/ ٢٥٦ - ٢٥٧.
(٢) هو ابن بهدلة، والخبر في "تاريخ دمشق" ٤/ ٢٣٠ (مخطوط).