للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الأوحد قد صاغ للأشرف طلعة من ذهب من خمس مئة دينار للسَّنْجق، وبقيت في الخزانة، [واشتغلوا بمرض الأوحد،] (١) فتوفي، ومَلَك الأشرف، وأول ركوبه في خلاط [بالسَّنْجَق كان] (١) بتلك الطلعة، وكانت وفاةُ الأوحد بملازكرد، فَدُفِنَ بها، وجاء الأشرف، فدخل خِلاط، فأحسنَ إلى أهلها، وخَلَعَ عليهم، وعَدَلَ فيهم، فأحبُّوه، وأطاعوه، وقدموا من البلاد، وسُرُّوا بموت الأوحد، فكانت مُدَّةُ ملكه خِلاط أقلَّ من خمس سنين، [لأنه ملكها في سنة أربع وست مئة] (١).

محمود بن عثمان بن مكارم (٢)

أبو الثَّناء، النَّعَّال الحَنْبَلي، الشيخ الزَّاهد.

ولد سنة ثلاث وعشرين وخمس مئة ببغداد بالبَدْرية، وقرأ القرآن، وسَمِعَ الحديث، وكان آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، وكانت له رياضاتٌ ومجاهدات، وساح في بلاد الشَّام وغيرها، وبنى رباطًا بباب الأَزَج، يأوي إليه أهلُ العِلْم من المقادسة وغيرهم، وكان يُؤثرهم، وانتفعَ به خَلْقٌ كثير، [وقد رأيت هذا الرباط، وزرت الشيخ فيه] (١)، وكان شيخًا مهيبًا، لطيفًا [كيسًا، باشًّا،] (١) مبتسمًا، يصوم الدَّهر، ويختم القرآن كلَّ يومٍ وليلة، ولا يأكل إلا من غَزْل عمته [(٣) وكان يزور جدي، ويحبه ويحترمه.

وحكى لنا أنه كان ببغداد رجل عواني يقال له شروين، وكان فاتكًا ذا شر، إذا رأى امرأة أو صبيًّا مستحسنًا في طريق تبعهما، فإذا صادف رجلًا من أولاد الناس لزمه، وقال: كانت هذه عندك. ومقصوده يأخذ منه شيئًا، ويقول: امشِ إلى الحبس، فيأخذ ما معه. قال محمود: وكنت إذ ذاك صبيًّا، وضيء الوجه، فسألني جماعة من الأخيار أن نمضي إلى زيارة معروف الكرخي، واشتروا مأكولًا، وعبرنا دجلة، وقد تبعنا شروين، ولم نعلم، فدخلنا بستانًا، وقعدنا نأكل، وإذا به قد هجم علينا، وقعد بيننا، فخاف الجماعة منه، ومد يده، فأخذ لقمة، فصحت عليه صيحة عظيمة، وقلت له: ويلك، قم فنحن ما يأكل معنا إلا


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) له ترجمة في "التكملة" للمنذري: ٢/ ٢٤٠ - ٢٤١، و"المذيل على الروضتين": ١/ ٢٣٩ - ٢٤٥، و"ذيل طبقات الحنابلة": ٢/ ٦٣ - ٦٤، وفي "المذيل" تتمة مصادر ترجمته.
(٣) في (ح): ولا يأكل إلا من غزل عمته، وتوفي في صفر، ودفن برباطة، وما بين حاصرتين من (م) و (ش).