للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العبادات والخلوة، وأجلس ولدَه سابور مكانه وتَوَّجه، وكان أكبر ولده وأعقلَهم وأفضلَهم.

وأقام أرْدشير ثلاث سنين يتعبد، ولما احتُضِر أوصى ولده سابور، وكان فيما أوصاه: يا بُني إن الدّين والمُلك توأمان لا غِنى لواحد منهما عن الآخر، فالدِّين أساس، والملك حارس له، وما ليس له أُسٌّ فمهدوم، وما لا حارس له فضائغ (١).

[فصل]

في ذكر ولده سابور، ويقال له: سابور الجنود، لكثرة جنوده واعتنائه بهم، ولما ولي سار بسيرة أبيه وزاد عليها، وأحسن السياسة، وضبط الممالك، ولما شاع ذلك عنه كتب إليه قيصر: لمّا بلَغَني حسنُ سيرتك وتدبيرك، أحببتُ أن أسلُكَ طريقتك، فاكتُب بها إلي.

فكتب إليه: اعلم أني ما نِلتُ ما نلتُ إلا بثلاث خصال: لم أَهزِل في أمرٍ ولا نهي، ولم أُخلِف وعداً، وربَّما أخلفتُ وعيداً، ولا عاقبتُ إلا للذنب لا للغضب.

وسابور هو الذي حاصر حصن الضَّيزَن، وقيل: اسم الحصن السَّاطِرون وهو على الفرات، وقيل: هو الحَضْر، وقيل: السَّاطِرون اسم الملك. وقال أبو عبيدة: اسمُ الملك الضَّيزَن بن معاوية بن مالك التَّنوخي القُضاعي، ويلقب بالسَّاطِرون.

وكان السبب في قَصْد سابور له، أنه غاب بخُراسان يُحارب عدواً له، فتطرَّق الساطرون إلى بلاده، فلما عاد سابور حصره في الحصن -وكان حصناً لا يُراد- فأقام عليه أربع سنين، وكان للملك ابنةٌ يقال لها: نَضيرة، ولم يكن في زمانها أجملُ منها، فنظرت من فوق الحصن إلى سابور فعَشِقته، فراسلته: إن دَللتُك على عورة الحصن أتتزوَّجُني؟ قال: نعم.

قالت: فعليك بحمامة مُطوَّقة زرقاء، فاكتب في رجليها بحيض جارية بكرٍ، يُفتح بها الحصن فهي طِلَّسْمُه، وسقت هي حراس الحصن الخمر، وفعل هو، فانْهَدم جانبُ الحصن، ودخله عَنْوةً، فقتل الملك وأَقيال قُضاعة، وأخرب الحصن، وحمل معه نَضيرة فأعرس بها، فلم تزل طول ليلتها تقلق على الفراش، وكان


(١) مروج الذهب ٢/ ١٦٢.