للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملكُه، أباد من تربَّص عليه وعصاه (١).

وكتب إلى رعيته: مِن أرْدشير ملك الملوك، ووارث العُظماء المؤيَّد، إلى العلماء الذين هم حملةُ الدّين، والأَساوِرة الذين هم حُفَاظ الدولة، والكُتَّاب الذين هم زينُ المملكة، سلامٌ عليكم؛ اعلموا أنَا قد وضعنا عن رعيَّتنا بفضل رأفتنا الإتاوةَ التي كانت عليها، ونحن كاتبون بوصيةِ فاحفَظُوها: لا تستشعروا الحقد فيَدهَمَكم العدوُّ، ولا تحتكروا فيشمَلَكم القحط، وتزوَّجوا في الأقربين؛ فإنه أمسُّ للرحم، وأثبتُ للنسب، ولا تعدوا هذه الدنيا شيئاً فإنها لا تُبقي على أحد، ولا تهتموا لها، فالرزق بيد الباري، ولا ترفضوها بمرَّة فإن الآخرة لا تُدرَك إلا بها (٢).

وأجدبت الأرض، فكتب إلى عُماله: ليس من العدل أن يفرح الملكُ ورعيتُه محزونون، ثم فرق جميع ما في بيت المال.

ورُفع إليه أن جماعةً من بطانتك قد فسدت نياتهم، فكتب عليها: إنما أملكُ الأجسام دون النيات، وأحكُم بالعدل دون الرضى، وأفحص عن الأعمال لا عن السرائر.

ومدحه مادح فقال: طُوبى للممدوح إن كان أهلاً للمدح (٣).

وكتب إليه مُتَنصِّح: إن قوماً اجتمعوا على ثلبك، فوقع عليها: لئن كانوا نطقوا بألسنةِ شتَّى لقد جمعتَ ما قالوه في ورقتك، فجرحُك أعجب، ولسانك أكذب.

وكتب إليه جماعة من بطانته يشكون إليه سوءَ حالهم، فوقَّع: ما أنصفكم مَن ألجأكم إلى الشكوى. ثم فرَّق فيهم مالاً وأغناهم.

قال ابنُ قتيبة: وهو الذي بنى مدينة جُور بفارس، ومدينة أرْدشير بفارس أيضاً، ومدينة أَستَراباذ، وهي كَرْخُ مَيْسان، ومدينة الأُبُلَّة وغيرها (٤).

ولما تمَّ لأرْدشير أمره، ودانت له الممالكُ، زَهِد في الدنيا وانقطع إلى بيوت


(١) المعارف ص ٦٥٣.
(٢) مروج الذهب ٢/ ١٦٢ - ١٦٣.
(٣) العقد الفريد ١/ ٢٥ و ٢/ ١٣٣ و ٤/ ٢٢٢، وزهر الآداب ١/ ٢٠٧.
(٤) المعارف ص ٦٥٤.