للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللذات، فإنها صَدؤها، ومن عدم النظر في العالم العُلوي عدم القُربة من بارئه. فقال له الإسكندر: لله دَرُّك. ولأحسننَّ إلى صاحبك لأجلك، ثم صرفه مكرمًا.

[ذكر واقعة أخرى]

لما توغَّل الإسكندرُ [في] بلاد الصين، بينا هو في بعض الليالي جالسًا نصف الليل إذ دخل الحاجب، فقال: رسولُ ملك الصين على الباب. فأَذِن له، فدخل فجلس، فقال له: قُل. فقال: الأمر الذي جئتُ فيه لا يحتمل الزِّحام، فأَخْلِني. ففتَّشوه، فلم يجدوا معه حديدًا، فأُخلي المجلس وبقي هو وإياه، فقال له: قل، فقال: أنا ملكُ الصين. قال: وما الذي آمنك مني؟ قال: ليس بيني وبينك عداوةٌ، ولا مطالبة بذَحْلٍ، وبلغني أنك رجل عاقل حكيم، ولو قتلتني لم تظفر بطائل، فإنهم يُقيمون غيري، وتُنسب إلى الغدر، فأخبرني ما الذي تريدُ مني؟ فقال: ارتفاع مُلكِك ثلاث سنين آجلًا، ونصف ارتفاعها في كل سنةٍ عاجلًا (١). فقال: لقد أجحَفْت. فما زال ينقصه حتى اقتصر على سدس المغل، ثم قام مسرعًا فخرج، وبات الإسكندر يفكر فيه.

فلما طلع الصباح، وإذا بملك الصين قد خرج في جيشٍ طبَّق الأرض، وعليه تاجه، وبين يديه الأمم، فركب الإسكندر واستعدَّ للقتال، ثم ناداه: يا ملك الصين أغدرًا؟ فانفرد عن أصحابه، وقال: لا، ولكني أردتُ أن أعرِّفَك أنني لم أطعك عن ضعف وقلة، وما غاب عنك من جنودي أعظم، ولكن رأيت العالم الكبير مقبلًا عليك، ممكنك ممن هو أقوى منك وأكثر عددًا، ومَن حارب العالم الكبير غُلِب.

ثم ترجَّل وقبَّل الأرض بين يدي الإسكندر، فنزل الإسكندرُ من فرسه، وأجلسه معه على سريره، وقال: ليس مثلُك مَن يُؤخَذ منه خراجٌ، وقد أعفيتُك، فما أحقَّك بالإنصاف والفضل، ولم تر عيني مثلَك. فقال الملكُ: أما إذا فعلت هذا، فلا بُدَّ من مجازاتك. ثم انصرف وبعث إلى الإسكندر بأضعاف ما كان قرّره عليه، وبعث إليه الإسكندر بمثل ذلك.


(١) في تجارب الأمم ١/ ٤٠، والمنتظم ١/ ٤٢٦: ارتفاع مملكتك لثلاث سنين عاجلًا ونصف ارتفاع مملكتك لكل سنة.