بعد رُجوعها من البصرة، فقالت له: يا أبا عبد الله، لو رأيتَني يومَ الجمل وقد أنفذ النبلُ هَودجي حتى وصل بعضُه إلى جِلدي، فقال لها المغيرة: وَدِدْتُ أن بعضَه قتَلك، قالت: ولمَ؟ قال: لعلَّه أن يكون كفارة لك على سَعْيك على عثمان، فقالت: أما والله لئن قلتَ ذلك لقد علم الله أنني ما أردت قَتلَه، ولكنني أردتُ أن يُقاتَل فقوتلتُ، وأردتُ أن يُرمى فرُميتُ، وأردتُ أن يُعصى فعُصيتُ، ولو علم الله مني أنني أردتُ قتلَه لقُتلتُ (١).
قال سيف: وأعجلت السبئيَّةُ أمير المؤمنين، وارتحلوا بغير إذنه، فارتحل في آثارهم ليَقطع عليهم أمرًا كانوا أرادوه.
انتهت وَقعةُ الجمل، وبينها وبين الهجرة خمس وثلاثون سنة وأشهر، وسار أمير المؤمنين إلى الكوفة عقيب مسير عائشة، فقدم الكوفة لاثنتي عشرة ليلة مضت من رجب، فأقام بظاهرها، وكان الأشعث بن قيس عاملًا على أرمينية وأذربيجان لعثمان، فعزله عنها لأمرٍ بلغه عنه، وحقدها عليه الأشعث، وما كانوا يُولّون مَن ارتدّ عن الإسلام ثم أسلم.
[حديث زياد بن أبيه مع علي ﵇ وولاية علي ابن عباس البصرة]
حكى سيف عن أشياخه قالوا: كان زياد بن أبيه مُقيمًا بالبصرة، ولم يشهد الوقعة، واعتزل الفريقين، وجلس في بيته، وجاء عبد الرحمن بن أبي بكرة إلى أمير المؤمنين مُستأمنًا، فسلّم عليه فردّ السلام وقال: عمُّك من المتربِّصين علي، المتقاعدين بي، فقال: يا أمير المؤمنين، إنه والله لك لَوَادٌّ، وعلى مَسرَّتِك لحريص، وهو في بيت نافع بن الحارث مريض، وقيل: إن علي لما سأله عنه كتم مكانه، فقال له أمير المؤمنين: لا بأس عليك، امشِ أمامي، ففعل، فلما دخل عليه قام زياد من فراشه، فسلّم عليه أمير المؤمنين وقال له: تقاعدتَ عني، ووضع يده على صدره وقال: هذا عُذرٌ بَيِّن، فاعتذر إليه زياد فقبل عُذرَه وأكرمه، وأراده على ولاية البصرة، وكان له عند علي مكانة،