قال علماء السير: وفيها بعث معاوية بُسْر بن أبي أرطاة في ثلاثة آلاف من المقاتلة إلى الحجاز، فقَدم المدينة، وعامِلُ أمير المؤمنين عليها يومئذ أبو أيوب الأنصاري، ففرَّ منهم أبو أيوب إلى الكوفة، فلحق بأمير المؤمنين، ودخل بُسْر المدينة، فصعد مِنبرَها - ولم يقاتله أحد - فقال:
يا أهل المدينة، والله لولا ما عهد إليّ أمير المؤمنين معاوية ما تركتُ بها أحدًا -أو مُحتلمًا- إلا قتلتُه، بايعوا لمعاوية. فبايعوه.
وهدم دورًا كثيرة، وأخاف أهلها، وأرسل إلى بني سلمة فقال: ما لكم عندي أمان حتَّى تأتوني بجابر بن عبد الله، وبلغ جابر فجاء إلى أم سلمة فقال لها: ماذا تَرين فقد خشيتُ أن أُقتل، وهذه بيعة ضلالة؟ فقالت له: أرى أن تبايع، فإني قد أمرتُ ابني عمر بن أبي سَلَمة أن يُبايع، وأمرت خَتَني عبد الله بن زمُعة -وكانت ابنتها من أبي سلمة عند عبد الله بن زَمعة- أن يبايع، فأتاه جابر فبايعه.
ثم مضى بُسْر إلى مكة، فخافه أبو موسى أن يقتله فقال بُسْر: ما كنت لأفعل بصاحب رسول الله ﷺ ذلك، فخلى سبيله.
ثم مضى بُسْر إلى اليمن، وعليها عُبيد الله بن عباس عامِلٌ لعلي ﵇، فخرج عبيد الله فارًّا إلى الكوفة، واستخلف على اليمن عبد الله بن عبد المَدان الحارثي، فقتله بُسْر، ولقي في طريقه ابنَين صغيرَين لعبيد الله بن العباس، اسم أحدهما عبد الرحمن، والآخر قُثَمْ، وأمِّهما جُوَيرية بنت قارض كِنانيّة، وكان عبيد الله قد أودعهما عند رجل من بني كنانة لصغرهما، فقُتل الكناني دونهما.
وفي صفة قتله قولان: أحدهما أن بسرًا أخذهما من عند الكناني، فقال له: عَلام تقتل هذين الغلامين ولا ذنب لهما؟! فإن كنت قاتلهما فاقتلني قبلهما، فبدأ بالكناني فقتله، ثم قتل الغلامين. والثاني أنَّه طلب من الكناني الغلامين، فخرج الرجل وبيده سيفٌ مسلول وهو يقول:[من الرجز]