خنادق القادسية، فلما عادوا إلى سعد قال: أبشروا، قد مَلّككم اللَّه أرضَهم.
ولما أتى عمر بن الخطاب ﵁ الخبر بنزول رستم القادسية؛ كان يخرج صبيحةَ كلِّ يوم [يستخبر الرُّكبان] ثم يَرجع إلى أهله، فبينا هو ذات يوم إذا براكبٍ، فسأله، فقال: أنا [البشير] هزم اللَّه العدو، وفعل وفعل، وعمر يمشي إلى جانب ناقة الرجل، ولم يعرفْه حتى دخل المدينة، فلَقيه رجل فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال الرَّجل: فهَلّا أخبرتَني رحمك اللَّه أنك أمير المؤمنين، فجعل عمر يقول: لا عليك يا أخي.
ذكر دخول حُرقة بنت النعمان بن المنذر على سعد ﵁-
ودخلت حُرَقَة بنت النعمان عليه في جَوارٍ كلُّهن مثلها، فقال: أيّتكن حُرَقة؟ قالت: أنا، فقال كيف حالكم؟ قالت: إن الدنيا دارُ زوال، لا تدوم على حال، كنا مُلوك هذا المِصر، يجيءُ إلينا خَراجُه، ويُطيعنا أهلُه مدّةً، فلما أدبر الأمر، صاح بنا صائحُ الدهر، وإنا نجد في الكتب أنه ليس من قومٍ كانوا في حَبْرة إلا والدهرُ يُعقبهم بعَبْرة، وإني قد قلتُ في ذلك شعرًا، ثم أنشدت:[من الطويل]
فبَيْنا نَسوسُ الناسَ والأمرُ أمرُنا … إذا نحن فيهم سُوقَةٌ نَتنَصَّفُ
فأُفٍّ لدنيا لا يَدوم نعيمُها … تَقَلَّبُ تاراتٍ بنا وتَصرَّفُ
فقال سعد قاتل اللَّه عديَّ بن زيد، كأنه حاضر حيث يقول:[من الخفيف]
إن للدَّهر صَولةً فاحذَرَنْها … لا تَبيتنَّ قد أَمِنتَ الشُّرورا
قد يبيتُ الفتى مُعافًى فيُرزى … ولقد كان آمنًا مَسرورا
ثم أكرمها، ووَصلها، وأحسن جائزتَها، فقالت: ملكتك يدٌ افتقرت بعد غِنى، ولا ملكَتْك يدٌ استغنت بعد فقر، ولا جعل لك اللَّه إلى لئيمٍ حاجة، ولا أزال عن كريمٍ نعمةً إلا وجعلك السببَ في عودها إليه، وردها عليه، فلما خرجت من عنده قُلنَ لها نساءُ المِصر: ما الذي رأيتِ من الأمير؟ فقالت:[من الخفيف]
حاط لي ذِمَّتي وأكرم وَجهي … إنما يُكرم الكريمَ الكريمُ
فلما ولي المغيرة بن شعبة الكوفة خطب حُرقة، فقالت لرسوله: قل له: ما أردْتَ