للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأراد حاجبه أن يأخذها منه، فقال: لي مع الصَّاحب شغل. فقال عماد الدين: دعوه. فتقدَّم إليه، وناوله القِصَّة، وضربه بسكِّين على خاصرته بَدَّد مصارينه، وجاء آخر، فضربه بسكِّين على ظهره، فمات، فردُّوه إِلَى الدَّار ميتًا، وبعث الجواد، فأخذ جميع ماله وخَيله ومماليكه، وكَتَبَ محضرًا أنَّه ما مالأَ على قَتْله، فامتنع مماليكُ عماد الدِّين من خِدْمة الجواد، وقالوا: أنتَ تدَّعي أنك ما قتلته، وهذا له إخوة وَوَرَثَة، فبأيِّ طريق تأخذ ماله؟ فحبسهم. قال سعد الدين: وبَعَثَ الجواد إِلَى والدي [تاج الدين] (١)، وقال: اطلع، فَجهِّزْ ابنَ أخيك. فجهزناه، وأخرجناه، وكانت له جِنازةٌ عظيمة، لأَنَّه قُتِلَ مظلومًا، وحملناه إِلَى قاسيون، فدفناه فِي زاوية الشيخ سَعْد الدِّين، وخيَّطْنا جراحاته، [وصلى عليه سعد الدين ابن عمه] (١). وقال سعد الدين [بن تاج الدين] (١): ورثيته [ببيتين] (١)، فقلتُ: [من الوافر]

فبعدكَ لا رَقَتْ عبراتُ عينٍ … بأحزانٍ ولا سَكَنَ الغرامُ

ولا هَدَأَتْ جوانحنا قليلًا … على فقدان مثلك والسَّلامُ

[قال] (١): وكان له يوم مات ستّ وخمسون سنة، وكان قد كَتَبَ على تقويم: [من الطويل]

إذا كان حُكْمُ النَّجْمِ لا شكَّ واقعًا … فما سَعْيُنا فِي دَفْعه بنجيحِ

وإنْ كان بالتَّدْبير يمكن رَدُّه … عَلِمْنا بأَنَّ الكُلَّ غيرُ صحيحِ

جمال الدِّين بن جرير، وزير الأشرف (٢)

أصله من الرَّقَّة، [وكان يتردَّد إليَّ فِي خانكاه الرقة فِي سنة اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة وست مئة،] (١) وكان له بُسْتان، ومُلْك يسيرٌ يعيش منه، ولم يكن يعرف الأشرف حينئذٍ، فما زال يتوصَّل إليه حتَّى استوزره بدمشق، ولما مات الأشرف استوزره أَيُّوب أيامًا قلائل دون الشهر، وكانت وفاته يوم الجمعة سابع وعشرين جمادى الآخرة بالخوانيق، ودفن بمقابر الصُّوفية عند المُنَيبع، وكان يتردَّد إِلَى زيارة الصَّالحين، وفيه


(١) ما بين حاصرتين من (ش).
(٢) هو علي بن جرير الرَّقي، وله ترجمة فِي "التكملة" للمنذري: ٣/ ٥١٠، و"المذيل على الروضتين": ٢/ ٤٨، و"تاريخ الإِسلام" للذهبي: (وفيات سنة ٦٣٦ هـ).