بِلْبيس شهرين وقاتلوه، فصالحهم أسدُ الدين على مال، وكان حصارهم له من أول رمضان إلى ذي القَعدة، وجرت بينهم حروبٌ ووقائع، وبلغهم أن نور الدِّين على قَصدِ بلادهم، فرجعوا، وعاد أسد الدين إلى دمشق، وأقام شاور بالقاهرة يظلم ويقتل، ويصادر النَّاس، ولا رأي للعاضد معه، وأقام أسد الدِّين بدمشق إلى سنة اثنتين وستين، ودخل ديار مِصر، وهي نوبة البابين، وعاد إلى دمشق، ثم دخل إلى مصر سنة أربع وستين، فاستولى عليها، وقتل شاور، ولم يخطب بها لبني العباس إلَّا عند موت العاضد سنة سبعٍ وستين في خلافة المستضيئ لما نذكر، إنْ شاء الله تعالى.
ذِكْرُ بداية أَمْر بني أيوب
كان نجم الدِّين أيوب بن شاذي بن مروان، وأخوه أسد الدِّين شيركوه، نجم الدِّين الأكبر، أصلهم من دُوين بلدة صغيرة في العجم، وقيل هو من الأكراد الرَّوَاديَّة، قدما العراق، وخدما مجاهد الدِّين بِهْرُوز الخادم شِحْنة بغداد، فرأى من نجم الدِّين رأيًا وعقلًا وحُسْنَ سيرة، فولَّاه دُزْدَارًا لتكريت، وكانت له، أعطاه إياها السُّلْطان مسعود، فأقام بها نجم الدِّين ومعه أخوه شيركوه، فلمَّا انهزم أتابك زَنْكي من المسترشد في سنة ستٍّ وعشرين وخمس مئة، ووصل إلى تكريت، خدمه أيوب، وأقام له المعابر، فعبر دِجْلة من هناك، وخَدَمَ من تبعه من أصحابه، فرأى زَنْكي له ذلك.
وأقاما بتكريت مُدَّة، ثم فارقاها، وسببُه أَنَّ نجم الدِّين كان يرمي يومًا بالنُّشَّاب، فوقعت نُشابة في مملوك لبهروز، فقتله من غير قَصد، واستحيا من بهروز، فخرجا إلى المَوْصل، وقيل: إنَّ بهروز أخرجهما. وقيل غير ذلك، وقصدا أتابك زَنْكي، فأحسن إليهما، وأقطعهما إقطاعات كثيرة، وصارا من جُمْلة أجناده.
فلما فتح زَنْكي بَعْلَبَكَّ ولَّى نجم الدين دُزْدارًا في قلعتها، فلما قُتِلَ زَنْكي على قلعة جَعبر، حَصَرَ نجمَ الدِّين صاحبُ دمشق، وضايقه، فكتب إلى نور الدِّين وسيف الدِّين غازي يطلبُ منهما نجدةً، فاشتغلا عنه بملك جديد، واشتدَّ الحصار على بعلبك، فخاف نجمُ الدِّين من فَتْحها عَنْوةً، أو تسليم أهلها، فصالح معين الدِّين أُنَر على مالٍ وإقطاع، وانتقل وأخوه إلى دمشق، وصارا من أكبر أُمرائها.