وخرج فخرُ الملك والدولة إلى النُّعمانية يتلقَّون التابوت، وكتب فخرُ الملك إلى أبي شجاع وأبي الخطَّاب وأبي المِسْك الأبتر بالتعزية، وحمل مالِ البيعة، وكانوا بأَرَّجان، ولمَّا وصلوا النُّعمانية تلقَّاهم التابوت فِي زَبْزَب بهاء الدولة، فلمَّا رأَوه تلقَّوه حُفاةً حاسرين يبكون ويضعون التراب على رؤوسهم، ويُقبِّلون له الأرض، ونُقِلَ التابوتُ إلى مسجد هناك، وتُرِكَ فيه، وليس عنده غير فراش واحد، وما التفتوا إليه بعد ذلك، فسبحان الَّذي لا ملك إلَّا ملكه.
وورد أبو الحسن علي بن مَزْيَد وسار مع أبي منصور مردوست والتابوت إلى الكوفة، فوصلوا المشهد يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة بَقِيَتْ من رجب، ووصل فخر الملك واسط، فطالبه الأولياء بمال البيعة، فقال: لكم أسوةٌ فيَّ وبمن معي وبمن ببغداد، وسوف يُحمل إليكم. وسار إلى الأهواز، وطالبه الجندُ بمال البيعة، فقال: فِي خزانة أَرَّجان، إلَّا صبابة يسيرة، وسوف أبعث إلى شيراز، وأُنزِلُ من القلعة المال، وبلغ الدَّيلَم، فشَغَبوا وقصدوا فخرَ الملك، فردَّهم غلمانُه، وضرب لهم أجلًا، وبعث إلى أبي شجاع وهو بشيراز يطلب المال، فبعث إليه بخمسين ألف دينار وخمس مئة ألف درهم، وإلى القادر عشرة آلاف دينار وثلاثين بدرة وَرِقًا وثلاثين ألفَ درهم لابن حاجب النعمان والحاشية، وصندوقين مملوءَين مِسْكًا وعنبرًا وكافورًا وعودًا، ففرَّق فخرُ الملك المال بواسط، ونزل إلى بغداد، فلم يبْقَ أحدٌ إلَّا أعطاه، واستقرَّتِ الأمورُ، وطابت قلوب الجند، واستدان فخرُ الملك مئةً وخمسين ألف دينار أخرى، وفرَّق الجميع.
قابوس بن وَشْمِكِير (١)
شمسُ المعالي، أميرُ الجبال ونيسابور وغيرِها، كان بعدَ لينِ الجانبِ وسماحةِ الخُلُقِ قد استعمل السَّطوةَ، وقتلَ جماعةً من خواصِّه وحُجَّابِه، ففسدتِ القلوبُ عنه، وتوازرَ ستةُ نفرٍ من أصحابه على التدبير عليه، فقصدوا ابنَه منوجهر، وقالوا: مِنْ حقِّكَ علينا أن ننصحَ لك ونخرجَ إليك بسرِّ العسكر فِي أبيك، وقد أجمعوا على الفتكِ به أو القبضِ عليه؛ لما قد أنكروه من سوء سيرتِه وقُبْحِ معاملته، ومتى لم يُتدارَكِ الأمرُ بأن