تكون الداخلَ فيه، وإلَّا خلطوك معه، وخرج المُلْكُ عنكم، والرأيُ أن تتولَّى القبضَ عليه، فأجابَهم وشكرَهم ووعدَهم المساعدةَ عليه، فقَبَضَ على أبيه، وحمَلَه إلى القلعة، واستمال الجُندَ وأرضاهم ووصلَهم، فطالبوه بقتل أبيه، وقالوا: قد أوحشناه نحنُ وأنتَ، وفي إبقائه خطرٌ علينا وعليك، فإنَّا لا نأمن أن يتمَّ علينا ما تمَّ لبدر بن حسنويه مع هِلال ابنه، فنندم حيث لا ينفع الندم، فصَعِد إلى القلعة، فوجد أباه قد دخل الخلاء وعليه ثوبٌ واحد، فأخذ جميعَ ما كان فِي البيت، وخرج أبوه فجعل يصيح: البردَ البردَ، أعطوني جلَّ دابةٍ. فما أعطاه شيئًا، فمات من البرد، ثم إن منوجهر قتل خمسةً من الذين أشاروا عليه بقتل أبيه، وهرب واحدٌ إلى خُراسان، فكتب منوجهر إلى محمود بن سُبُكْتِكين يطلبُه، فبعث إليه وقال: إنما أسلمتُه لئلَّا يطمع أحدٌ فِي الملوك ويُقدِمَ هذا الإقدام. فقتلَه، وكان قابوسُ مضطلعًا بكثير من العلوم والآداب، مولَعًا بأحكام النجوم. وقيل: إنه حكم لنفسه أن منيَّتَه على يدِ ولده، وكان له أولادٌ، ألينُهم جانبًا، وأشدُّهم به بِرًّا منوجهر، فكان يؤثِرُه ويُدنيه. وأخشنُهم ملمَسًا، وأكثرُهم عقوقًا، وأعظمُهم جرأةً وإقدامًا دارا، فكان يكرهُه ويُغضِبُه، ويهمُّ مرارًا بالقبض عليه، وأحسَّ دارا، ففارقه ومضى إلى خراسان، واختلط بخَواصِّ محمود بن سُبُكْتِكين وندمائه إلى أن مات عنده، فكانت منيَّةُ قابوس على يد منوجهر.
ومن نظم قابوس:[من الكامل]
خَطَراتُ ذِكْرِكَ تستثيرُ مودَّتي … فأُحِسُّ منها فِي الفؤادِ دبيبا
لا عضوَ لي إلَّا وفيه صبابةٌ … فكأنَّ أعضائي خُلِقْنَ قلوبا
ومن نثره: واللهُ يُمْتعُه بالفضل الَّذي استعلى على عاتِقِه وغاربِه، واستولى على مشارقِه ومغاربِه.
وقال: الكريمُ إذا ضمن لم يُخلِفْ، وإذا نهضَ لفضيلةٍ لم يقِفْ، وما دام هو للفرصة مرصدًا، ولإنجاز ما نواه معتقدًا، كان الرَّجاءُ كنَورٍ فِي كِمام، ونورٍ فِي ظلام، ولا بُدَّ للنَّور أن ينفتح، وللنُّور أن يتوضَّح.