للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أراد صحبة السُّلْطان إلى الدِّيار المِصْرية، فليتجهز. فجاء التُّجَّار من الهند بأموال الدُّنيا والأقمشة والجواهر، فلما تكاملتِ المراكب بزبيد جَمَعَ التجار، وقال: اكتبوا لي بضائعكم وما معكم لأحميها من الزكاة والمؤن. فكتبوها له، فصار يكتب لكلِّ تاجرٍ برأس ماله إلى بعض بلاد اليمن، وششولي على ماله، ففعل بالجميع كذا، فاجتمعوا، فاستغاثوا، وقالوا: نحن قد جئنا من بلدان شتى، وفينا مَنْ أهله بإسكندرية والقاهرة ومِصْر والشَّام والرُّوم، ولنا مُدَّة سنين [ونحن بعيدون] (١) عن أهلنا، وقد اشتقنا إليهم، فخُذْ أموالنا، وأَطْلِقْنا نروح إلى أهلنا. فلم يلتفت إليهم، وأخذ الجميع [فبلغني أنه كان] (٢) ثَقَلُه في خمس مئة مركب، ومعه ألفُ خادم، ومئة قنطار عنبر وعود ومسك، ومئة ألف ثوب، ومئة ألف صندوق أموال وجواهر، وركب الطريق إلى مكة، ولما وصل بعض الطريق مَرِضَ مرضًا مزمنًا، فما دخل مكة إلا وقد فلج، ويبست يداه ورِجْلاه، ورأى في نفسه العِبر، فلما احْتُضر بعث إلى رجل مغربي بمكَّة، فقال: والله ما أرضى لنفسي مِنْ جميع ما معي كفنًا [أتكفن به] (٣)، فتصدَّق عليَّ بكفن، فبعث له بنصفيتين بغدادي، ومئتي دِرْهم، فكفنوه فيهما، ودفن بالمعلى. وقيل: إنَّ الهواء ضرب بعضَ المراكب، فرجعت إلى زبيد، فأخذها أصحابها. [وبلغني عن الكامل أنه سر بموته] (٤)، ولما جاء خزنداره إليه ما سأله كيف مات، بل قال: كم معك من المال والتُّحف. [وقد ذكرنا ما فعل أقسيس وضربه الحرم بالبندق، فعوقب سريعًا، وضربه القدر ضربًا وجيعًا] (٣).

الحسين بن هبة الله (٥)

ابن محفوظ بن صَصْرى، أبو القاسم، الدمشقي.


(١) زيادة من عندنا يقتضيها السياق.
(٢) في (ح): وأخذ الجميع، فكان ثقله، والمثبت ما بين حاصرتين من (ش).
(٣) ما بين حاصرتين من (ش).
(٤) في (ح): وسر الكامل بموته، والمثبت ما بين حاصرتين من (ش).
(٥) له ترجمة في "التكملة" للمنذري: ٣/ ٢٤٠ - ٢٤١، و"تاريخ الإسلام": (وفيات سنة ٦٢٦ هـ)، و"سير أعلام النبلاء": ٢٢/ ٢٨٢ - ٢٨٤، و"المذيل على الروضتين": ٢/ ٩، وفيه تتمة مصادر ترجمته.