محمَّد بن علي بن المهتدي، الخطيب بجامع المنصور، ولد سنة تسع عشرة وأربع مئة، وولي القضاء بعد أبيه، ووقعت فتنة عظيمة بين السنة وأهل الكَرْخ على المذهب، وعجز عنها الشحنة والغلمان، وقُتِلَ من الفريقين عددٌ كبير، فركب فرسه ووقف بين الصفين ليردَّهم، فجاءه سهمٌ عائرٌ فوقع فيه فمات، وذلك في يوم الجمعة تاسع عشر صفر، فحُمِلَ إلى القبة الخضراء عند جامع المنصور، فدُفِنَ عند أبيه، وكان سيدًا، صالحًا، ثقةً.
[السنة الثمانون وأربع مئة]
فيها بعث تتش أخو السلطان إليه رسولًا يقول: قد استولى المصريون على الساحل، وضايقوا دمشق، وأسأل السلطان أن يأمر آق سنقر وبُزان أن يُنجداني، فكتب السلطان إليهما بأن يُنجداه، وكان بُزان بالرُّها، وآق سنقر بحلب، وكانت تقرَّرت ولاية حلب له من قِبَلِ ملك شاه، وأحسن السيرة فيها، وبسط العدل، وحمى السابلة، وأقام الهيبة، وأنصف الرعية، وأباد المفسدين، وأبعد أهل الشر، فتواترت القوافل، ودرَّ الارتفاع أضعافَ ما كان.
وفيها رفع السلطان المكوس ببغداد، وكُتبت ألواح، وأُلصقت على الجوامع، وفيها اسم الخليفة والسلطان.
وفي المُحرَّم بعث الخليفةُ ظفر الخادم يستدعي السلطان إلى دار الخلافة، وبعث معه بالطيار، فقام السلطان من دار المملكة، وقبَّل الأرض، ونزل في الطيار، وجاء إلى باب العَزْبة، وقد هُيئِّ فرسٌ من خيل الخليفة، وسَرْجُه حديدٌ صيني، ولُبده أسود، فركبه ونزل عند باب صحن السُّلَّم، ومشى إلى الخليفة، وقبَّل الأرض مرارًا، ونظام الملك قائم مشدود الوسط بين يدي الخليفة يقول للأمير بالفارسية: هذا أمير المؤمنين، ويقول للخليفة: هذا العبد الخادم فلان بن فلان، وله من العساكر كذا وكذا، والأمير