قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ﴾ الآية، أي: ابتليناه بسلب ملكه ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ﴾ أي: سريره ﴿جَسَدًا﴾.
واختلفوا فيه، قال ابن عباس: الجسد هو شيطان يقال له: صَخر، ولم يكن ممن سُخِّر لسليمان.
وقال وهب: هو صَخر بن عمير بن عمرو بن شرحبيل، ويقال: هو الذي دلَّ سليمان على حجر السامور وكان في جزيرة منيعة، فما كان له عليه سلطان.
وقال السدي: هو شيطان اسمه مهدي، وقيل: حفق أو حفيق.
وذكر الثعلبي: أنَّ الجسد إنما كان آصف بن برخيا (١).
وذكر أبو حنيفة ابن النُّوبي: أنَّ الجسد نفس سليمان، ألقاه مريضًا لا حراك به ولا رُوح فيه. والظاهر أنه صخر الجني.
﴿ثُمَّ أَنَابَ﴾ [ص: ٣٤] أي: رجع عن ذنبه، وقيل: في مُلكه.
واختلفوا في سبب ابتلائه على أقوال:
أحدها: بسبب امرأة، قرأتُ على شيخنا الموفق المقدسي ﵀ بإسناده إلى ابن عباس قال: كان سليمان رجُلًا غزاءً يغزو في البحر والبرِّ، فسمع بمَلِك في جزيرة من جزائر البحر، فركب الرِّيح ومعه جنوده من الجن والإنس حتى نزل تلك الجزيرة، فقتل مَلِكها وسبى مَن فيها، وأصاب جَارية لم يُرَ مثلها حُسنًا وجمالًا، وكانت ابنة ذاك الملك، واسمها: جرادة، فاصطفاها لنفسه، وكان يجدُ بها ما لا يجد بأحدٍ من نسائه، وكان يؤثرها عليهنَّ، فدخل عليها يومًا فقالت: إني أذكر أبي ومُلكه وما أصابه فيحزنني ذلك، فإن رأيتَ أن تأمر بعض الشياطين أن يصوِّروا لي صورةَ أبي في داري، فأراه بكرةً وعشيًا، رجوت أن يذهب عني حُزني ويُسَلِّي عني بعض ما أجد في نفسي. فأمر سليمان صخرًا المارد فمثَّل لها أباها في هيئته لا تنكر منه شيئًا إلا أنه لا روحَ فيه،