فعمدت إليه فزيَّنَتْهُ وألبسته مثل لباسه، وإذا خرج سليمان من داره غَدَتْ عليه كلَّ يوم مع جواريها فسجدت له وتسجد جواريها، وسليمان لا علم له بشيء من ذلك، حتى أتى لذلك أربعون يومًا، وبلغ آصف بن برخيا، وكان صدِّيقًا، فقال لسليمان: يا نبيَّ الله، قد أحببت أن أقومَ مقامًا أذكر فيه من مضى من أنبياء الله وأثني عليهم بما أعلم فيهم، فجمع سليمان الناس، وقام آصف فأثنى على كل نبيّ بما فيه، حتى انتهى إلى سليمان، وذكر ما أعطاه الله في حداثةِ سنه وصغره، ثم سكت، فامتلأ سليمان غيظًا واستدعاه وقال له: ذكرتَ أنبياء الله وأثنيت عليهم بما كان في زمانهم، فلما ذكرتني جعلت تثني عليَّ بخير في صغري، وسكتَّ عما كان في كبري، فما الذي أحدثتُ في كبري؟ فقال: أحدثتَ أنَّ غيرَ الله يُعْبَدُ في دارك منذ أربعين يومًا في هوى امرأة، قال: في داري؟ قال: نعم، قال: إنّا لله وإنا إليه راجعون؛ عرفتُ أنَّك ما قلتَ هذا إلا لشيء بلغك، ثم رجع إلى داره فكسر الصنم وعاقب المرأة وولائدها، ثم دعا بثياب الطهر وهي ثياب لا يغزلها وينسجها إلا الأبكار، ولا يمسها امرأة رأت الدم فلبسها، ثم خرج إلى فلاةٍ من الأرض ففرش فيها الرماد، وجلس عليه يتمعَّك فيه متضرعًا باكيًا تائبًا، وكان يبكي ويقول: يا رب ما هذا بلاؤُك عند آل داود أن يعبدوا غيرك وأن يقروا في دارهم وأهلهم عبادة غيرك. فلم يزل كذلك حتى أمسى، ثم رجع، وكانت له جارية سمّاها الأمينة، وكان إذا أتى الخلاء أو أراد إتيان امرأة وضع خاتمه عندها، وكان لا يمسُّه إلا وهو طاهر، وكان الله قد جعل مُلْكَهُ في خاتمه (١).
عن الشيخ الموفق، قال وهب: فجاء يومًا يريد الوضوءَ فدفع الخاتمَ إليها، وجاء صخر المارد فدخل المتوضَّأ، وسبق سليمان، فدخل سليمان لحاجته وخرج صخر على صورة سليمان ينفضُ لحيته من الوضوء، لا تنكر المرأةُ من سليمان شيئًا، فقال: خاتمي يا أمينة، فناولته إياه لا تحسبُ إلَّا أنَّه سليمان، فجعله في يده وجلس فجلس على كرسيِّ سليمان، وعكفتْ عليه الطيرُ والإنس والجنُّ، وخرج سليمان ﵇ فقال: خاتمي يا أمينة، فقالت: ومن أنت؟ فقال: أنا سليمان، وقد تغيَّر حاله وذهب عنه بهاؤه، فقالت: كذبتَ إنَّ سليمان أخذ خاتمه، وهو جالسٌ على سريره في مُلكه.