للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فعرف سليمان أنَّ خطيئته قد أدركته (١).

عن الموفق، قال الحسن: فخرج هاربًا مخافةً على نفسه، ومضى على وجهه بغير حذاء ولا قَلَنْسُوة في قميصٍ وإزار، فمرَّ ببابٍ شارع على الطريق قد جهده الجوع والحرُّ والعطش فقرعه، فخرجت امرأة فقالت: ما حاجتكَ؟ فقال: ضيافةُ ساعةٍ، قد تَرَيْنَ ما قد أصابني من الحرِّ والرمضاء، فقالت المرأة: زوجي غائبٌ وليس يَسعني أن أُدْخِلَ رجلًا غريبًا عليَّ، ادخل البستانَ فإن فيه ماء وثمرًا، فأَصِبْ من ثماره وتبرَّدْ فيه، فإذا جاء زوجي استأذنتُهُ في ضيافتك، فإنْ أَذِن لي فذاك، وإنْ أبى أصبتَ رزق الله ومضيت. فدخل البستان فاغتسل ووضع رأسه ونام، فآذاه الذباب، فجاءت حيَّةٌ سوداء فأخذت ريحانةً من البستان بفيها وجعلت تروِّحُ عليه. وجاء زوجُ المرأة فقصَّتْ عليه القصة، فدخل البستان فرأى الحيةَ تروِّحُ عليه، فدعا امرأته وقال لها: تعالي فانظري إلى العجب، فنظرتْ ثم مشيا إليه فأيقظاه، ثم قالا له: يا فتى هذا منزلنا لا يسعنا شيءٌ يعجزك، وهذه ابنتي قد زوجتكها، وكانت من أجمل نساء زمانها، فتزوجها وأقام عندهم ثلاثًا، ثم قال: لا يسعني إلا طلبُ المعيشة لي ولأهلي، فانطلق إلى الصيادين فقال لهم: هل لكم في رجل يكون معكم يعينكم وترضخون له بشيء من صيدكم، وكُلٌّ يأتيه الله برزقه، فقالوا: قد انقطع عنا الصيد، وليس عندنا فضل نعطيك، فمضى إلى غيرهم، فقال لهم مثل هذه المقالة، فقالوا: نعم وكرامة، نواسيك بما عندنا، فأقام عندهم يختلف كلَّ ليلةٍ إلى أهله بما أصاب من الصيد حتى أنكر الناس قضاءَ الخبيث وفعاله. فلما رأى الخبيثُ أنَّ الناس قد فطنوا له انطلق بالخاتم فألقاه في البحر، قال الحسن: أمسك الخاتم أربعين يومًا (٢).

وروي: أنه قعد على كرسيِّ سليمان، فاجتمع له الإنس والجن والشياطين وكلُّ شيءٍ كان يملكه سليمان، إلا أنه لم يُسَلَّطْ على نسائه، قال: وخرج سليمانُ يسأل الناسَ ويتضيفهم، ويقوم على باب الرجل والمرأة ويقول: أطعموني فإني سليمان بن داود، فيطردونه ويقولون له: ما يكفيك ما أنت فيه حتى تكذب على سليمان، وهذا


(١) كتاب "التوابين" ص ٤٨.
(٢) كتاب "التوابين" ص ٥٠.