قال أنس: قال رسولُ الله ﷺ لما رجع من غزاة تبوك ودنا من المدينة قال: "إنَّ بالمدينةِ أَقوامًا، ما سِرْتُم مَسيرًا ولا قَطَعتُم واديًا إلا كانوا مَعَكم فيه"، فقالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة؟ قال:"وهُم بالمدينةِ، حَبَسهُم العُذْرُ". أخرجه البخاري (١).
قصة الثلاثة الذين خُلِّفوا
لما قَدِمَ رسولُ الله ﷺ من تبوك لم يُعْذِرْ مَنْ تخلَّفَ عنه من المسلمين من أهل القُدرة، منهم: كعب بن مالك الشاعر، ومُرارة بن الربيع العَمْري، وهلال بن أُميَّةَ، وهم من الأنْصار، تخلفوا من غير عُذرٍ مع صحَّةِ إسلامهم، وإنهم لم يُغْمَصوا بالنِّفاق، فوقف رسول الله ﷺ أمرهم، ونهى الناسَ عن كلامهم حتى نزلت تَوْبَتُهم في القرآن.
وقد أخرج حديثهم الإمام أحمد والبخاري ومسلم رحمة الله عليهم:
عن عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائدَ كَعْبٍ من بَنِيهِ حين عَمِيَ قال: سمعتُ كعبَ بنَ مالكٍ يحدث حديثه حين تخلَّفَ عن رسولِ الله ﷺ في غزوة تبوك، قال كعب: لم أتخلَّفْ عن رسولِ الله ﷺ في غزوةٍ غزاها إلّا في غزوة تبوك، غير أني تخلفت عن غزوة بَدْرٍ ولم يعاتِبْ أحدًا تخلف عنه، إنّما خرجَ رسولُ الله ﷺ والمسلمون يريدون عِيرَ قُريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غَيْرِ ميعادٍ، ولقد شهدتُ مع رسولِ الله ﷺ ليلة العقبة حين توافقنا على الإسلام وما أُحبُّ أن لي بها مشهد بَدرٍ، وإن كانت بدرٌ أَذكَرَ في الناس منها.
وكان من خبري حين تخلَّفتُ عن رسولِ الله ﷺ في غزوة تبوك، أني لم أكن قطُّ أقوى ولا أيسرَ مني حين تخلَّفْتُ عنه في تِلْكَ الغزوةِ، ولم يكن رسولُ الله ﷺ يريد غزوة إلا ورَّى بغيرها، حتَّى كانت تلك الغزوة، فغزاها رسولُ الله ﷺ في حَرٍّ شديد، واستقبل سفرًا بعيدًا ومفازًا واستقبل عَدوًّا كثيرًا، فجلَّى للمسلمين أَمْرَهُم ليتأهبوا أُهْبَة غزوِهم، فأخبرهم بوجههم الذي يريد، والمسلمون مع رسولِ الله ﷺ كثيرٌ ولا يجمعهم كتابٌ حافِظٌ، فَقلَّ رجلٌ يريدُ أن يتغيَّب إلا ظنّ أن ذلك سيخفى ما لم ينزل فيه وحيٌ من الله ﷿، وغزا رسولُ الله ﷺ تلك الغزوةَ حين طابتِ الثمارُ والظلالُ، فتجهز