للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشراب الشريف، لقد أذهب عني الهمومَ والأحزان.

ثم أمر الملك بغَرْسِ الكروم بأرض بابل، وأكثروا منع العامَّة عنه. وقد جرت مثل هذه الواقعة لكسرى في الرَّيحان لما نذكر.

وأما الكلدانيُّون (١)

فهم ملوكُ بابل بعد النَّبَط، وأوَّلُهم نمرود بن كنعان، فإنه غَرَس الأشجار، ورتَّب العالَم، وأجرى الأنهار، وحفر نهر كُوثَى (٢) بين قصر ابن هُبَيْرة وبغداد، وتوالت الممالكُ بعده إلى زمان سنحاريب، وآخرهم بُخْتُ نَصَّرُ، فيقال: إنهم ملكوا ألفَيْ سنة.

وأما الحَرَّانيون

فهم الصابئة، وكانوا يسكنون حَرّان يعبدون الكواكب، وكان لهم بِحَرَّان أربعة هياكل مدوَّرات الشكل؛ أحدهم: هيكل العقل الفعَّال، والثاني: هيكل السلسلة، والثالث: هيكل الصورة، والرابع: هيكل النفس، وكانت لهم الهياكل السبعة على النجوم السبعة، فهيكل القمر مثمَّن، وهيكل عُطارد والزُّهَرة مربَّعان، وكذا هيكل الشمس، وهيكل المشتري مُثلَّث، وهيكل المرِّيخ وزُحَل مُسدَّسان، وقيل: هيكل المريخ مستطيل.

وكان على أبواب حران تماثيلُ وهياكل، منها على باب الرقَّة هيكل يقال له: مغلسا (٣)، وكان لآزَر والدِ الخليل ، لأنه كان يَعبُد الكواكب، وكان تحت مغلسا سراديبُ فيها تماثيلُ الأجسام العُلوية، ولها مَنافخ وبَرابخ (٤) تَصفِر فيها السَّدَنةُ من وراء السُّترة، فتدخل الأصوات في المنافذ، فتظهرُ منها أصوات مُطرِبة يصيدون بها عقولَ الناس مثل الأُرْغُن الذي للرُّوم.


(١) في النسخ: الكلدانيين، وانظر فيهم تاريخ اليعقوبي ١/ ٨٢، ومروج الذهب ٢/ ٩٥.
(٢) ضبطه ياقوت في معجم البلدان ٤/ ٤٨٧ بالضم ثم السكون والثاء مثلثة وألف مقصورة تكتب بالياء لأنها رابعة الاسم.
(٣) في مروج الذهب ٤/ ٦٣ (وأكثر الكلام منه) مغليتيا.
(٤) البرابخ: منافذ المياه ومجاريه. القاموس المحيط (بربخ)، وفي مروج الذهب ٤/ ٦٤: فتجري الأصوات في تلك المنافخ والمخاريق والمنافذ إلى تلك الصور.