للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَغبةً في الدنيا، ولا [أَدَعُهما]، فَرَقًا من الموت، فقبلها. وهذه رواية أبي مخنف (١).

وأما ابن إسحاق والواقدي وأبو مَعْشر فذكروا بمعناه، وأن يَجتمعوا عند عبد الله بن وَهب الرَّاسبيّ، فاجتمع عنده عظماؤهم وعُبَّادُهم، فقال عبد الله بن وهب بمعنى ما تقدّم، وفيه: فاخرجوا بنا مُنكرين لهذه الحكومة، فإنه لا حُكمَ إلا لله.

وقال حَمزة بن سِنان: لا بدَّ لكم من قائد وسائس وراية تحفُّون بها، فعرضوها على مَن سَمَّينا، فأبَوا قبولها لعبادتهم وزُهدهم، فقال عبد الله بن وهب: هاتوها لا رغبة في الدنيا، ولكن لما أرجوه من عِظم الأجر، فمدّ يده فأخذها، فقاموا إليه فبايعوه.

وكان عبد الله بن السَّخبر (٢) حاضرًا، وكان من أصحاب البَرانِس، فبكى وقال: لحا الله امرءًا لا يكون تشريحُ ما بين عظمه ولحمه وعَصَبه أيسرَ عنده من سَخَطِ الله عليه، وأنتم إنما تريدون وجه الله، فاضربوا مَن عصاه بالسيوف، حتَّى يُطاع الله تعالى. ثم ذكر كلامًا طويلًا في هذا المعنى.

[ذكر كتابهم إلى البصرة]

قال علماء السير ممّن سَمَّينا: كتبوا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من عبد الله بن وَهب، وزيد بن الحُصَين، وحُرْقوص بن زهير، وشُرَيح بن أوفى، إلى مَن بلغه كتابُنا من المؤمنين؛ سلامٌ عليكم، فإنه يُحمد إليكم الله الَّذي لا إله إلا هو، الَّذي [جعل] أحبَّ عباده إليه أعلمَهم بكتابه، وأقْوَمَهم بالحقّ في طاعته، وأشَدَّهم اجتهادًا في مرضاته، إن أهل دعوتنا حَكَّموا الرجال في أمر الله، ورَضوا بحكم الفاسقين على عباد الله، وكفروا بذلك وضلُّوا عن السبيل، وقد نابَذْناهم على سواء، إن الله لا يحبُّ الخائنين، وقد خرجنا إلى الجِسْر؛ نُريد بذلك الوسيلة إلى الله والقُربة ليرضى عنا، فسيروا إلينا لتأخذوا نصيبكم من الأجر والثواب، وتأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر، وقد بعثنا بكتابنا هذا إليكم مع رجل من إخوانكم، ذي دين وأمانة، فسَلوه عما


(١) تاريخ الطبري ٥/ ٧٤ - ٧٥، وما بين معكوفين منه.
(٢) في تاريخ الطبري ٥/ ٨٣، وأنساب الأشراف ٢/ ٢٥٢: عبد الله بن شجرة السلمي، والمثبت موافق لما في الأخبار الطوال ٢٠٣، والنقل عنه.